أصدرت دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة حكما قضائيا هاما أكدت فيه على حتمية تحديد مدة معينة مرفقة بجميع قرارات المنع من السفر. و يهدد ذلك ببطلان جميع قرارات المنع من السفر الصادرة من النائب العام والكسب غير المشروع والرقابة المالية والإدارية وقضاة التحقيق المنتدبين من وزارة العدل أو محاكم الاستئناف لصدور هذه القرارات بحق عدد من المواطنين سواء من رموز النظام السابق أو المتهمين في قضايا فساد وإهدار المال العام وغيرها من القضايا ،دون تحديد مدة معينة.
كما أكدت المحكمة في حكمها على مبدأ قضائيا انتهت في إلى اختصاص مجلس الدولة بمحاكمة "القضاء الإداري والإدارية العليا" بالفصل في الدعاوى التي تقام طعنا على قرارات منع أي من المواطنين من السفر واعتبار هذه القرارات من ضمن القرارات الإدارية التي يجوز الطعن عليها أمام محاكم مجلس الدولة ويمكن أن تقضى فيها بوقف التنفيذ والإلغاء، بحسبان أن مجلس الدولة قاضى المشروعية والأقدر على حماية الحريات.
صدر الحكم برئاسة المستشار د. محمد عبد الحميدة مسعود نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية المستشارين يحيى الدكرورى وعبد الله سليمان ومحمد سليمان وفايز شكرى وعبد الفتاح أبو الليل، ومحمد عبد اللطيف وربيع الشبراوى ولبيب حليم ومحمود العطار وحسن أبو زيد شلال نواب رئيس المجلس وأمانة سر كمال نجيب.
كانت المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة قد أصدرت أحكاما ذهبت فيها إلى اتجاهين متضاربين الأول بعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة بنظر الدعاوى التي تقام طعنا على قرارات المنع من السفر، على أساس أن النيابة العامة شعبة أصيلة من السلطة القضائية تتولى أعمالا قضائية، وبالتالي لا يجوز الطعن على قراراتها المتعلقة بالمنع من السفر أمام مجلس الدولة.
أما الاتجاه الآخر فقد ذهب إلى اختصاص مجلس الدولة بنظر مثل تلك الدعاوى على سند أن قرار المنع من السفر يقع في ضوء المبادئ الدستورية المتعلقة بالحرية الشخصية، ومن دروبها حرية التنقل والسفر، و تم عرض الأمر على دائرة توحيد المبادئ التي أصدرت حكمها المتقدم بترجيح الاتجاه الثاني، والذي سوف يكون ملزما على جميع محاكم مجلس الدولة، وأصبح الطعن على قرارات المنع من السفر اختصاصا أصيلا لمجلس الدولة.
واستندت دائرة توحيد المبادئ في حيثيات حكمها على المادة 35 من الدستور الحالي التي نصت على أنه "فيما عدا حالة التلبس، لا يجوز القبض على أحد ولا تفتيشه ولا حبسه ولا منعه من التنقل ولا تقييد حريته بأي قيد إلا بأمر قضائي مسبب يستلزمه التحقيق" وما نصت عليه المادة 42 من أن حرية التنقل والإقامة والهجرة مكفولة. ولا يجوز بحال إبعاد أي مواطن عن إقليم الدولة، ولا منعه من العودة إليه، ولا يكون منعه من مغادرة الدولة، ولا فرض الإقامة الجبرية عليه إلا بأمر قضائي مسبب، ولمدة محددة، وهى ذاتها ما أكدت على دستور 1971 الملغى والإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس 2011.
وأشارت المحكمة إلى أن الحرية الشخصية بجميع صنوف أوجه ممارستها بما في ذلك حرية التنقل سواء داخل البلاد أو إلى خارجها مصونة ومكفولة دستوريا بما تكون معه عصية على النيل منها بحرمان أو تقييد، إلا إذا كان ثمة ضرورة ستلزمها التحقيق صيانة لأمن المجتمع وبحيث يصدر بذلك أمرا وفقا لأحكام القانون من القاضي المختص أو النيابة العامة، على أن يكون المنع من السفر بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة.
وقالت المحكمة إن دستور 71 الملغى والإعلان الدستوري ودستور مصر الحالي قد أعلوا من شأن الحرية الشخصية، واعتبرت حرية الانتقال منخرطة في مصاف الحريات العامة بما يجعل تقييدها دون مقتض مشروع تجريدا لهذه الحرية.
وناشدت المحكمة السلطة التشريعية بإصدار تشريع ينظم كيفية وحدود إصدار قرارات المنع من السفر ومبين لحدود سلطة إصدارها وضمانات عدم إساءة استعمالها ومحدد لمدة المنع، خاصة وأن النص الدستوري غير كاف للتطبيق بذاته بما يكفل حرية التنقل ويصونها.