قطعت الثقافة الفارسية شوطت كبيرا على مدى التاريخ فى العطاء والاخذ ونهلت من الثقافة العربية. وتشهد كثير من المفرادات العربية شاهدة على ذاك وأن حروفها العربية التي تنطق فارسيا دليلا على أن اللغة العربية الحية تأخذ وتعطي لتقدم للعالم وهناك تمازج بين المفرادت العربية والفارسية التي نجدها في كتابات ابن سينا والبيرونى وغيرهم من الينابيع الثقافية ويمثل عمر الخيام نموذجا لتلك الثقافة وتأثيره على الشعراء العرب جليا على مدى العصور ومن منا لايحفظ "لا أطال النوم عمرا ولاقصر من طول السهر" في رباعياته الشهيرة التي تغنت بها أم كلثوم بترجمة عن الفارسية لشاعر احمد رامى الذى تعلم الفارسية واتقانها حبا فى الخيام . وأزدهرت اللغة الفارسية و ترعرعت في أحضان الأبجدية العربية بعد الفتح الاسلامي لإيران و قدمت شعراء و متصوفين ومفكرين عظاما، خلافا لما قبل الاسلام حيث لم تقدم اللغة البهلوية التي تخلت عنها إيران فى أواخر القرن الثالث الهجري و هي لغة البلاط عند الاكاسرة - أي اسم بارز في مختلف مجالات المعروفة و خاصة الشعر والأدب؛ و كل ما وصل الينا هو اشعار فولكلورية توصف بالفهلويات.و يبدو ان اللغة البهلوية كانت لغة ركيكة و ضعيفة لم تنتج ادبا أو ثقافة رفيعة و هذا ما يعترف به العديد من المؤرخين الإيرانيين. و يمكن أن نقارن تأثير اللغة العربية على اللغة الفارسية بتأثير اللغة الرومانية على اللغة اللاتينية. و الدارس للأدب الفارسي يعرف مدى تأثر شعراء فرس عظام كالرومي و الخيام و سعدي و حافظ الشيرازيين و ناصر خسرو و العطار و الجامي والآخرين بالقرآن و الشعر الجاهلي و الأموي و العباسي. إذ يذكر المؤرخون الإيرانيون أن بعض قصائد سعدي هي انتحال و ترجمة حرفية لبعض قصائد ابو الطيب المتنبي. حتى فردوسي و رغم عنصريته و تجنبه استخدام المفردات العربية لم يتمكن من الاستغناء عن اللغة العربية حيث شكلت مفرداتها نحو 30 في المائة من مفردات ملحمة الشاهنامة. ومن يقرأ لأديبا العظيم نجيب محفوظ نجد في أعماله بعض الأبيات من الشعر الفارسي مكتوبة بالفارسية بقصد خدمة ابداعه دون أي تدخل منه ويحلو للبعض أن يقارن بين اهم روائى الان فى ايران محمود دولت آبادي و تحوله في مجال تقنية العمل الروائي بتحولات نجيب محفوظ - بثلاثيته الواقعية الى انماط ادبية اخرى وتقنيات و اساليب جديدة في الرواية " ثرثرة فوق النيل " و " الحرافيش ". لكن و مع وجود كل وجوه الشبه القائمة يبقى فن نجيب محفوظ الروائي أعلى من نظيره الإيراني محمود دولت آبادي كما يقول المترجم الذي يرفض أيضا أن يقارن بين الروائي الإيراني صادق هدايت ونجيب محفوظ وعلى إيران أن تعيد اكتشافه بترجمة أعماله بدل الاكتفاء بترجمتي روايتي " اللص و الكلاب " و " يوم قتل الزعيم " وبعض القصص القصيرة وأن تتفتح على الرواية الآن ولا تقتصر على الترجمات السابقة لطه حسين وتوفيق الحكيم . و قد كان للثورة الإيرانية وانهيار الاتحاد السوفيتي و نهاية الحرب الباردة تأثيرا ملحوظا على الأدب الفارسي، أدى إلى ابتعاده عن الواقعية رويدا رويدا ، حيث ابتعد الروائي محمود دولت آبادي عن الواقعية النقدية وتأثر بتيار الوعي والواقعية السحرية وما شابه ذلك، وقرأ العرب بعض أعماله بعد ان ترجمت رائعته الروائية المطولة " كليدر " إلى لغات عدة و منها العربية على يد المترجم المصري الراحل دسوقي شتا. وعلى حد قول الناقد عبد الرحمن العلوى لا يمكن إنكار ما للثقافة الفارسية من تراث أدبي عظيم و خليفه أدبيه تمتد لآلاف السنين، حتي أنها تعد من أغني المصادرالأدبية في العالم، ومن روائع الثقافة الفارسية التي حظيت بالترجمات المختلفة ومنهاا لعربية "المثنوي" أحدأشكال الشعر الفارسي، عرف في عهد مبكر من تاريخ الأدب الفارسي الإسلامي، ونظمت فيه أعمال خالدة. وتعني كلمة مثنوي بالعربية النظم المزدوج، الذي يتحدد به شطر البيت الواحد ويكون لكل بيت قافيته الخاصة، وبذلك تتحرر المنظومة من القافية الموحدة. ومن أشهر شعراءها جلال الدين الرومي الذي بدأ نظم المثنوي حوالي 657 هجرية ومنها نقرأ "نحن كالناى حوينا منطقى مستتر فى الشفتين - منطق اخر يشكو للسما ما به حتى التهبنا ألما بيد أنالو وعينا- لبدا نوحذا عن ذاك رجعا للصدى- ذاك يشدو هامسا ذا هاتفا- ذا ينادى ذاك يوحى هادفا- ان سرالعقل يبدو فى الجنون - منهج سار عليه العارفون" وهو ما تأثر به شاعر المهجر الرائع جبران خليل جبران في أعماله والدليل أبياته في قصيدة "اعطانى الناى وغني" التي نرددها مع فيروز . و هناك فسحة كبيرة للشعر المترجم و سيما شعر الغزل منه كدواوين ادونيس و نزار قباني و غسان الكنفاني وعبد الوهاب البياتي و محمود درويش و ثمة قصائد و روايات لعبد الرحمان المنيف و نازك الملائكة ومحمد الفيتوري و سميح القاسم والشاعرة السورية غادة السمان التى يقبل عليا القارىء الايرانى لتشابه اعمالها فروغ فرخ زاد اول شاعرة ايرانية تمردت على همينة الرجل فى العصر الحديث ولم يمهلها القدر على العطاء كثيرا حيث توفيت فى حادث سيارة عام 1968 . ولا ينكر الشاعر والناقد الخراساني محمد رضا شفيعي كدكني اهم شاعر على الساحة الايرانية الان تثره وتشابه شخصيته بشخصية الناقد العربي احسان عباس الذي يكن له كدكني احتراما خاصا. و قد ترجم شفيعي كدكني الذي يتقن اللغة العربية وتربطه صداقات مع ادونيس و بلند الحيدري و البياتي - قبل وفاتهما - ترجم من البياتي الى الفارسية وكتب عن الشعر العربي الحديث كتابا و مقالات. فهو بطبعه وثقافته محب للعرب و أدبهم. وإذا كانت اللغة الفارسية التي لاتعتبر لغة عالمية مثل لغتنا الجميلة حيث يتحدث الفارسية بها أكثر سكان ايران و قسم من شعوب افغانستان و طاجيكستان فلا يعني أن نهمل ولا نهتم بالثقافة الفارسية، صحيح هناك معاهد لتعليم اللغة في ايران وبعض البلاد العربية إلا أنه مطلوب أن نعيد النظر لسد الفجوة التي لا تليق بثقافتين خاصة بعد ثورة يناير وزيارة الرئيس محمد مرسي لإيران من قبل وزيارة الرئيس الإيرانى محمود أحمدى نجاد لمصر مؤخرا فى اطار مؤتمرين اسلاميين عقدا في طهران والقاهرة، إلا أنهما فتح الباب لتعميق الاتصال الثقافي بيننا بأن نعقدالندوات الفكرية و الادبية بين الجانبين بواسطة مؤسسات حكومية وغير حكومية للوصول إلى التفاهم وهو اهم اهداف الثقافة التى لا ترفض الاخر بل تتحاور معه للوصول إلى حد كبير للتعارف اذا لم تصل الى الصداقة .