عندما يسمع موظف حكومي أن الفنانة الفلانية قررت عدم التنازل عن كذا مليون أجراً عن مسلسل أو فيلم سينمائي فإنه يصاب بكل الأمراض النفسية أقلها الصرع أو الاكتئاب علي أقل تقدير!. السبب أن هذا الموظف يتقاضي كل شهر أقل من 001 جنيه خاصة الموظفين المؤقتين الذين يحلمون يوماً ما بأن يتم تثبيتهم ليرتفع مرتبهم إلي 007 جنيه وهو الحد الأدني الذي يدور حوله نقاش طويل هذه الأيام!. مثل هذا الموظف وغيره لا يهمهم سوي الحد الأدني أما الحد الأقصي فإنه »بعيد عن السامعين« لا يشغلهم في شيء اللهم تحقيق العدالة الاجتماعية وألا يسمع عن مسئول يحصل علي مليون أو نصف مليون جنيه كل شهر.. يكفيه 02 أو 03 أو حتي 05 ألف جنيه بالهنا والشفا!. ما علينا من هذا أو ذاك.. المهم أن الأجور في مصر لا يمكن وصفها إلا أنها عبارة عن »فوضي« وعشوائية لا نظير لها حتي في بلاد تركب الأفيال!. تصوروا محافظ يرفض تعيين مدرسين بمرتب 005 جنيه شهرياً لا لشيء سوي أنه يريد تعيين أكبر عدد من المدرسين ولذا قرر أن »يفك« كل مدرس بثلاثة مدرسين كل منهم يحصل علي حوالي 051 جنيهاً كل شهر.. وليذهب التعليم إلي الجحيم!. وتصوروا المبالغ التي كانت مخصصة للصيانة والتشغيل والتدريب في العديد من الجهات الحكومية مثل المستشفيات تم تحويلها لتمويل تعيين موظفين مؤقتين ولتذهب صحة المواطنين إلي جهنم!. سياسة فاسدة! إنها باختصار شديد سياسات النظام السابق ورئيسه المخلوع! أوضاع في منتهي الغرابة كانت محور حوار علي جانب كبير من الأهمية داخل المركز المصري للدراسات الاقتصادية شارك فيه كل من د.ماجدة قنديل المديرة التنفيذية للمركز ود.أمنية حلمي نائبة المدير التنفيذي وكبير الاقتصاديين بالمركز ود.سمير رضوان وزير المالية الأسبق ود.صفوت النحاس رئيس جهاز التنظيم والإدارة وباتريك بيسلر الخبير بمنظمة العمل الدولية.. هؤلاء شاركهم الحوار نخبة من الاقتصاديين والمسئولين مثل د.علي لطفي رئيس الوزراء الأسبق ود.أحمد درويش وزير التنمية الإدارية السابق والسفير جمال البيومي مساعد وزير الخارجية السابق ود.مني الجرف أستاذة الأقتصاد والخبيرة الأقتصادية وود.مني ياسين رئيس جهاز حماية المنافسة ومنع الاحتكار سابقاً وغيرهم. كان الحوار منصباً حول الحد الأدني للأجور في محاولة لتحقيق التوازن بين الانتاجية والعدالة الاجتماعية، هذا الحوار يأتي في وقت أصبحت فيه قضية العدالة الاجتماعية تحتل صدارة الاهتمام في مصر في أعقاب ثورة 52 يناير.. وترجع هذه الأهمية إلي كون السياسة الحالية للحد الأدني للأجور أصبحت عاجزة عن تحقيق التوازن بين هدفي خلق فرص العمل الرسمية وتأمين مستوي معيشي كريم للمواطنين، وفي غياب مثل هذا التوازن فإن رفع الحد الأدني للأجور قد يؤدي إلي زيادة معدلات البطالة واتساع القطاع غير الرسمي وزيادة الضغوط التضخمية مالم تؤخذ في الاعتبار التباينات بين الأنشطة الاقتصادية والمناطق الجغرافية في مصر. هذه القضية عبرت عنها دراسة أعدتها كل من د.ماجدة قنديل ود.أمنية حلمي وأشارت كل منهما إلي أن الحد الأدني للأجور، تم وضعه عام 5891 لموظفي الجهاز الإداري والقطاع العام ولم يعدل حتي الآن ولكن كانت هناك حوافز وعلاوات خاصة واجتماعية أحدثت زيادة في الأجور بنسبة 002٪ حيث وصل الحد الأدني إلي 386 جنيهاً شهرياً في خطة 1102 بعدما كان 632 جنيهاً عام 6002. 3 سيناريوهات! واكتشفت الدراسة اختلاف متوسط الأجر من محافظة لأخري حيث تتركز الوظائف الأعلي أجراً بالسويس حيث وظائف الوساطة المالية والتعدين واستغلال المحاجر والتشييد والبناء، أما أقلها أجراً فهو بالشرقية حيث الوظائف الزراعية والتعليمية والصحية وتشير الدراسة إلي أن أعلي أجر بالقطاع الخاص يتركز في القاهرة ومدن القناة والاسكندرية وأقلها بالصعيد والمحافظات الصحراوية.. كما تشير إلي أن الخبرة الدولية تؤكد أن وضع حد أدني للأجور والإلتزام به مهم للاقتصاد القومي لأنه يساعد علي حصول كل مواطن علي احتياجاته الأساسية وتوفير الحافز علي العمل وتحقيق أكبر قدر من التوازن في علاقات العمل مما يعزز الاستقرار الاجتماعي ويحسن مناخ الأعمال.. وأضافت أن السياسة السليمة للحد الأدني للأجور تستلزم توافر معايير واضحة لتحديد مستوي الحد الأدني وكذا آليات للمحافظة علي قيمته الحقيقية من التآكل بمرور الوقت مع وجود إطار مؤسسي لوضع تلك السياسة والإلتزام بتطبيقها. وكشفت الدراسة كذلك عن ثلاثة سيناريوهات للحد الأدني للأجور أولها تحديده وفقاً لتكلفة المعيشة في كل محافظة وثانيها وفقاً لمتوسط الانتاجية في كل قطاع اقتصادي وثالثها وفقا لتكلفة المعيشة والانتاجية معاً.. السيناريو الأول يوفر حداً أدني يتراوح بين 666 و096 جنيهاً شهرياً والثاني يتراوح بين 856 و227 جنيهاً والثالث يتراوح بين 576 و386 جنيهاً. الخلاصة.. الأمر يحتم تحديد حد أدني للأجور بموجب قانون أو اتفاقية جماعية بين ممثلي العمال وأصحاب الأعمال والحكومة مثلما الحال في ألمانيا، مع قيام مكاتب التفتيش العمالية الحكومية أو النقابات بمراقبة التطبيق والالتزام به وفرض غرامات علي المخالفين وكذا ضرورة مراجعة الحد الأدني وإعادة حسابه بشكل دوري مثلما الحال في اندونيسيا. وفي هذا الصدد جاء حديث د.صفوت النحاس طارحاً بعض الأرقام عن حجم العمالة بالجهاز الاداري للدولة وحددها ب8.5 مليون موظف بجانب عمالة مؤقتة تشمل 522 ألفا معينين علي الباب الأول للأجور والمرتبات ونحو 073 ألفاً علي أبواب أخري بالموازنة العامة وأعداد أخري ليصل عدد المؤقتين بالجهاز الحكومي إلي نحو 007 ألف ومن ثم يصل عدد موظفي الدولة إلي قرابة 8.6 مليون في حالة تثبيت العمالة المؤقتة.. هذه العمالة المؤقتة كما قال رئيس جهاز التنظيم والإدارة هي السبب في انهيار الجهاز الإداري للدولة نظراً لكون الأموال التي كانت مخصصة في موازنات بعض الجهات الخدمية كالمستشفيات وغيرها تم استنزافها في تمويل عمليات تعيين العمالة المؤقتة حيث لم يعد هناك تمويل لقطع الغيار أو الصيانة أو الخدمات الأخري وبالتالي يتوقف نشاط تلك الجهات عن تقديم الخدمات المنوطة بها.. وعلي سبيل المثال فإن العلاج علي نفقة الدولة بدأ ب02 مليون جنيه زاد الي 002 مليون والآن يبلغ 6.1 مليار جنيه والسبب عدم قدرة المستشفيات علي تقديم العلاج للمرضي!. هذا بجانب عمالة مؤقتة أخري تم تمويلها من باب الاستثمارات والتدريب وقد استحدثت عمالة بمرتبات هزيلة بدأت ب04 جنيهاً زادت الي 001 جنيه حالياً.. لكن المهم أن هناك محاولات لوقف هذه الأوضاع المخالفة للقانون، والتي كانت تتم من خلال ثغرات عديدة منها كروت التوصية والاتصالات التليفونية والحصص التي كان يحصل عليها في السابق نواب مجلس الشعب لتشغيل أبناء دوائرهم الانتخابية!. هؤلاء العمال كما أكد د.صفوت النحاس مظلومون لأنهم لا يعرفون علي أي أساس تم تعيينهم لذا تجدهم كل يوم في وقفات احتجاجية حيث لا يحصلون علي الحد الأدني للأجور وقد يكونون غير مؤمن عليهم! وقال انه لا يمكن اصلاح سياسة الأجور بمعزل عن قانون التأمينات الاجتماعية وقانون التأمين الصحي. المدرس بثلاثة! والأخطر كما قال رفض بعض المحافظين تعيين مدرسين علي أساس 005 جنيه لكل مدرس وقرروا »فك« كل مدرس بثلاثة مدرسين يحصل كل منهم علي نحو 051 جنيها كل شهر.. وبعدها تبدأ الشكوي من ضعف المرتبات.. ومعهم حق!. وقال د.النحاس ان تطبيق الحد الأدني للأجور علي العمال المؤقتين يتكلف نحو 5 مليارات جنيه سنوياً ويتم حالياً البحث عن حلول لتلك القضية الملحة. كل ذلك لم يكن سوي فتح شهية لحوار مثير بدأه د.علي لطفي مؤكداً علي أن دستور 1791 به مادة تنص علي ربط الأجر بالانتاج وتحديد حد أدني للأجور وقال: لابد أن تبقي هذه المادة في الدستور الجديد.! أما السفير جمال البيومي فقد أشار إلي أهمية عدم التعميم مشيراً إلي أن المساواة في الأجور لا تفرق بين الصالح والطالح وبين الذي يعمل والكسول!. وفي هذا الصدد أكد د.سمير رضوان وزير المالية الأسبق رفضه للحد الأقصي للأجور وقال إنه »كارثة« ويهدد الكفاءات والخبرات.. وذكر أن دولة مثل سنغافورة الأجور هناك بالقطاع العام مثلها مثل القطاع الخاص والعبرة بالكفاءة.. والخبرة. ولم ينس د.رضوان أن يؤكد أيضاً رفضه لأعفاء المسكن الخاص من الضريبة العقارية وقال ان ذلك انحياز للأغنياء وأضاف أنه ضد الضرائب التصاعدية لأنها تخيف المستثمرين. ومن جانبه أعرب د.أحمد درويش وزير التنمية الادارية السابق عن ثقته في أنه إن لم يتم القضاء علي الثغرات التي يدخل منها الموظفون المؤقتون للجهاز الاداري سوف يظهر 007 ألف موظف آخر بعد تثبيت ال007 ألف الحاليين!. كما رفضت مني ياسين رئيسة جهاز حماية المنافسة ومنع الاحتكار سابقاً سياسة الحد الأقصي للأجور ولكنها قالت: يمكن التنفيذ بضوابط صارمة. ومن جانبها أكدت الخبيرة الاقتصادية د.مني الجرف علي أن المشكلة تكمن في أننا ننتقل فجأة من النقيض إلي النقيض في العديد من السياسات! وأضافت: كلنا يتفق علي أهمية العدالة الاجتماعية ولكن عند الحديث عن حد أدني للأجور لا يجب إغفال الحديث عن الانتاجية فالأجر لابد أن يرتبط بما يؤديه الموظف من عمل. ويبقي الباب مفتوحاً للحوار حول قضية الأجور وهي قضية تشغل بال الجميع من الوزير إلي الخفير.. كل علي قدر مرتبه.. أو»كل برغوث علي قد دمه«!.