جون ماكين - آن باترسون - جمال محرم التجارة الحرة تسبق الحديث عن توتر العلاقات بين القاهرةوواشنطن من المؤكد أن الأمريكان ايقنوا أن التهديد والوعيد بقطع المساعدات الاقتصادية أو العسكرية لن يجدي.. لذا فقد أمسكوا بالعصا من المنتصف!. ربما انتظاراً لوضوح الرؤية، وربما الحرص علي عدم القطيعة مع دولة بحجم مصر.. وربما كان الأمر مجرد تهديد لا أكثر ولا أقل من أعضاء الكونجرس الأمريكي وليس الحكومة!. المهم أن لهجة واحد من أكثر المتشددين والمطالبين بقطع المعونة وهو جون ماكين مرشح الرئاسة لعام 8002 وعضو الكونجرس تغيرت 081 درجة ما بين ليلة وضحاها!.. من واشنطن انطلقت تهديداته وتلويحاته وما لبث أن تحولت في القاهرة إلي وصلة من الغزل في مصر والمصريين حتي أنه شبه الثورة المصرية بحدث تاريخي خطير مثل انهيار الدولة العثمانية!. لم تكن هذه لغة ماكين وحده بل أيضاً كانت نفس اللغة التي تحدثت بها آن باترسون سفيرة أمريكا بالقاهرة والتي لم تتطرق بالمرة للحديث عن المعونة أو مجرد التهديد بقطعها، لكنها أشارت من بعيد لبعيد إلي أنه رغم العلاقات المتوترة حالياً بين مصر والولايات المتحدة فإن أمريكا تريد أن يكون لها دور في مصر »الجديدة«!. والأهم أن لهجة التهديد تلاشت إلي البحث عن شراكة بين الشركات المصرية والأمريكية في مجال التوريدات التجارية بجانب عودة الحديث عن منطقة للتجارة الحرة مع مصر.. وهذا ما حدث خلال مؤتمر عقدته الغرفة التجارية الأمريكية بمصر برئاسة جمال محرم ومجلس الأعمال المصري الأمريكي بالتعاون مع اتحاد الصناعات المصرية وهيئة الاستثمار ومركز تحديث الصناعة. قبل الخوض في تفاصيل هذا اللقاء الاقتصادي المهم فإنه لا يمكن إغفال حالة الدهشة التي انتابت البعض وأنا منهم مما حدث مؤخراً وهو ما عبر عنه فنان الكاريكاتير العبقري عمرو سليم في جريدة الشروق يوم الثلاثاء الماضي بالتلميح إلي أن الأمر برمته لا يعدو أن يكون »كده وكده«! حيث جاءت كلمات الكاريكاتير علي النحو التالي لتنطق بما شعر به عدد من المراقبين.. »وبالنسبة للأزمة الكده وكده، فقد أعلن الجانب الأمريكي أنه يفكر كده وكده في تخفيض حجم المعونة، بينما أعلن الجانب المصري رفضه الكده وكده للتدخل في الشئون الداخلية للبلاد«..!!. ما علينا من »كده« أو »كده«.. وبعيداً عن السياسة ودهاليزها فإن المؤتمر كان يبحث عن فرص الشراكة بين الشركات المصرية والأمريكية في مجال التوريدات التجارية.. وكان بمثابة جسر لاندماج الشركات المصرية مع نظيرتها بالمنطقة، وبمثابة فرصة للشركات المصرية لتوريد الاحتياجات والمستلزمات الأساسية للمشروعات الكبري التي تنفذها الشركات الأمريكية. 53 شركة أمريكية كبري شاركت في هذا اللقاء مثل جنرال إلكتريك وأباتشي وكوكاكولا وبوينج وبكتل وغيرها جاء ممثلوها في محاولة لتوسيع شبكة الموردين المصريين لديها كما شاركت شركات مصرية كبري جاء ممثلوها كذلك للتعرف علي المواصفات التي يجب توافرها لديهم للانضمام الي شبكة الموردين الأمريكية. ونظراً لأهمية هذا اللقاء فقد شارك فيه بجانب جون ماكين وآن باترسون جمال محرم رئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية الأمريكية بمصر وأحمد أبوعلي نائب رئيس الغرفة وعمر الدريني نائب رئيس لجنة الصناعة والتجارة بالغرفة وهشام فهمي المدير التنفيذي للغرفة كما شارك فيه د.أحمد عبدالوهاب نائب رئيس اتحاد الصناعات ونيفين الشافعي نائبة رئيس هيئة الاستثمار وهشام وجدي المدير التنفيذي لمركز تحديث الصناعة، ونبيل حبايب الرئيس والمدير التنفيذي لشركة جنرال إلكتريك بالشرق الأوسط وشمال افريقيا وتركيا، وليونيل جونسون نائب رئيس الغرفة التجارية بالولايات المتحدة لشئون الشرق الأوسط وشمال افريقيا. وبجانب هؤلاء شارك أيضاً كل من ستيفن فارس رئيس الجانب الأمريكي في مجلس الأعمال المصري الأمريكي، وتوماس تومسون نائب الرئيس التنفيذي للغرفة الأمريكية، وعدد آخر من مسئولي الشركات الأمريكية والمصرية مثل بريان شيرمان وتوماس بيشمان وإسلام سالم وياسر عبدالملاك ونيهال مكاري ومحمد نور وكيسي شوكسي المدير التنفيذي لمجلس الأعمال المصري الأمريكي. فكرة هذا المؤتمر بدأت في يونيو من العام الماضي خلال زيارة قام بها السيناتور جون ماكين للقاهرة حيث اتفق علي قيام شراكة بين الشركات المصرية والأمريكية ليأتي هذا اللقاء ليضع النقاط فوق الحروف وكما قال جمال محرم فانه يوضح العلاقة القوية بين مصر وأمريكا رغم كل المشاكل والتوترات التي نسمع عنها وأضاف رئيس الغرفة مشيراً الي ان حضور 53 شركة أمريكية هذا اللقاء يدعم الرغبة في تقوية أواصر العلاقة الاقتصادية والاستثمارية بين البلدين. وهو نفس الأمر الذي أكده نبيل حبايب الذي اشار الي ان مصر تقوم اليوم بتحديد استراتيجية نموها واضعة نصب اعينها التركيز علي مختلف القطاعات الاقتصادية بما فيها التصنيع وذلك سعياً لتوفير فرص عمل جديدة وتحسين مستوي معيشة المواطنين المصريين وقال ان قطاع التصنيع يتمتع بإمكانيات واعدة للنمو مؤكداً أن الشراكة سوف تسهم في تمهيد الطريق لإقامة شبكة توريد تجارية متكاملة بين الشركات المصرية والأمريكية. واستطرد مشيرا إلي أن العديد من المؤسسات العالمية تخوض نقاشات فاعلة مع السلطات المصرية لتعزيز التنمية في مصر حيث تهدف هذه الخطوات إلي دعم الاستقرار الاقتصادي واسترجاع ثقة السوق وتوفير فرص عمل جديدة، وتحقيق النمو المستدام، وقال إنه لتحقيق ذلك يتطلب الأمر اتباع نهج مشترك يتيح للقطاعين العام والخاص التعاون بشكل وثيق لتلبية الاحتياجات الملحة للشعب المصري. وبدوره أكد أحمد أبوعلي أن الهدف الرئيسي هو خلق قاعدة صناعية بمصر تكون بمثابة محطة للاستثمارات الأجنبية حيث تنطلق منتجاتها إلي الدول المجاورة، وأشار نائب رئيس الغرفة الأمريكية إلي أن الفرصة مهيأة لذلك في ضوء التكتلات الاقتصادية التي عقدتها مصر مثل الكوميسا والمشاركة الأوروبية ومنطقة التجارة العربية الكبري وغيرها. وأضاف مؤكدا ان توقيت عقد المؤتمر يعتبر مناسبا من منطلق أنه بمثابة »رسالة« لكل الأطراف بأهمية العلاقات الاقتصادية بين مصر وأمريكا. وماذا عن التلويح بقطع المعونة؟ سؤال طرح علي ليونيل جونسون نائب رئيس الغرفة الأمريكية بالولايات المتحدة قبيل انعقاد المؤتمر بيوم واحد، وقد جاءت اجابته متحفظة للغاية مشيرا إلي أن الحكومة الأمريكية وإدارة الرئيس أوباما لاتستخدم سلاح قطع المعونة بل انها حددت نفس حجم المعونة كما هو للعام الجديد.. ولكن الكونجرس يملك الحرية في طرح ما يراه مثلما الحال في مجلس الشعب المصري.. وعموما - كما قال- فإن الأوضاع الجديدة سوف تفرض نفسها علي الساحة! وخلال المؤتمر جاءت كلمات ليونيل لتؤكد الاهمية الكبري للعلاقات التجارية بين مصر وأمريكا مشيرا إلي ان هذا اللقاء بمثابة بداية لمبادرات جديدة تحقق للشركات المصرية والأمريكية ما تصبو إليه من شراكات.. وذكر ان هناك إطارا أوسع لهذه العلاقات في اشارة إلي مطالبة صناع القرار السياسي للعمل علي اطلاق المفاوضات حول قيام منطقة تجارة حرة بين البلدين ومن ثم تحقيق التكامل مع الاقتصاد العالمي. ستيفن فارس رئيس الجانب الأمريكي في مجلس الأعمال المصري الأمريكي ورئيس شركة أباتشي أكد هو الآخر علي أهمية بدء المفاوضات حول منطقة التجارة الحرة وإعادة الثقة إلي مناخ الاستثمار بمصر وقال: لابد من جعل اتفاقية التجارة الحرة جزءا من الحوار بين مصر وأمريكا وبالطبع الأمر يحتم إزالة العوائق التي تعوق التجارة والاستثمار بين البلدين.. وأضاف مشيرا إلي أن شركة أباتشي استثمرت في مصر علي مدي 81 عاماً نحو 9 مليارات دولار، وتنوي استثمار مليار دولار في العام المالي الجديد، ولم ينس فارس أن يؤكد علي وجود فرص هائلة للاستثمار بمصر وكذا التأكيد علي ان القطاع الخاص يملك الخبرة عن غيره علي توفير فرص العمل. ومن جانبه جاء حديث السيناتور جون ماكين مؤكداً علي ان مصر لاتزال تواجه تحديات كبري خاصة في جانبها الاقتصادي وقال ان هذه التحديات زادت حدتها خلال العام الماضي. وأضاف مشيراً الي ان عملية التحول الديمقراطي تحتاج إلي تنشيط النمو الاقتصادي وقال: »ان لم تستطع مصر توفير فرص عمل فإن السياسة لن تكون مستقرة وسوف تزداد قوي التطرف قوة«!. ومن خلال كلمات غزل في الثورة المصرية قال كيري ان تلك الثورة كانت لحظة حاسمة في تاريخ الشرق الأوسط مثلها مثل حدث انهيار الامبراطورية العثمانية! وأضاف ان مصر هي قلب العالم العربي، ومستقبلها يشكل مستقبل المنطقة العربية برمتها ويؤثر علي الأمن والسلام الدوليين ومن هنا كان الحرص علي دعم الشراكة بين مصر وامريكا علي جميع المستويات خاصة الاقتصادية واكد السيناتور الامريكي علي اهمية الالتزام بدعم ما بدأته مصر للانتقال للديمقراطية.. وقال: »يجب ان نظل أصدقاء سياسياً واقتصادياً.. وعسكرياً أيضاً«.. وأضاف أن أمريكا مع المصريين ويجب اتخاذ القرار الصائب لدعمها إن شعب مصر يحتاج الي فرصة حتي يعيش حياة أفضل وقال ان العالم أجمع يتابع كل الخطوات التي تجري في مصر. نفس المعاني الرقيقة طرحتها السفيرة الأمريكية آن باترسون حيث أشارت إلي أن مصر مازال أمامها الكثير.. وقالت انها تمر بمرحلة انتقالية وللوصول إلي التحول الديمقراطي فإن الاستثمار يمهد الطريق لذلك ومن ثم فإن الأمر يحتم اتخاذ خطوات قوية لإعادة الاقتصاد المصري للسير بخطي أسرع. وتطرقت باترسون إلي الأوضاع الحالية للاقتصاد المصري حيث وصفتها بالمتدهورة وقالت ان ذلك تزامن مع عدم استقرار سياسي.. وأضافت ان أية دولة لا تستطيع ان تعزل نفسها عن العولمة.. واستطردت قائلة انه من الممكن تجاهل العولمة ولكن في تلك الحالة سوف تكون هناك متاعب عديدة! ومرة أخري تؤكد السفيرة التزام أمريكا بالشراكة الاستراتيجية مع مصر واستعدادها لبدء مفاوضات حول اتفاقية التجارة الحرة.. وقالت ان مصر مع الاستقرار تستطيع أن تكون من أكبر الأسواق الناشئة خلال سنوات قليلة.. وأضافت قد تكون هناك توترات في العلاقات بين البلدين، لكن الأمريكيين يريدون دوراً مهماً في مصر »الجديدة«. يسمع منك ربنا يا سيادة السفيرة ويكون كلامك من قلبك.. مش من وراه.. أو »كده وكده«!.