تتم جولة الإعادة بالمرحلة الثانية للانتخابات البرلمانية هذا الأسبوع وسط حالة من الجدل والنقاش الذي قد يمثل ظاهرة صحية في طريق الإصلاح السياسي. وأعني بذلك الجدل حول تشكيل اللجنة التأسيسية لوضع الدستور الجديد وما إذا كان ذلك من حق الأغلبية البرلمانية دون غيرها من قوي المجتمع وهي بالفعل فرضية تصادر حقوق كل المصريين. إن الأغلبية البرلمانية أياً كانت القوي السياسية التي تعبر عنها تمثل حالة متغيرة. الأغلبية اليوم ليس شرطاً أن تمثل الأغلبية في الانتخابات القادمة لمجلس الشعب علي حين يمثل الدستور حالة ثابتة لا تتغير إلا كل عشرات السنين. كما أن الأغلبية البرلمانية لا تمثل في أي مجتمع من المجتمعات كل القوي والفعاليات السياسية. ومن هنا يحدث التصادم أو الخلاف حول تمسك الأغلبية البرلمانية بحقها في تمثيل المجتمع واختيار أعضاء اللجنة التأسيسية للدستور. إن أحد أسباب الخلاف يرجع إلي حالة العجلة والتسرع التي تعامل بها المجلس العسكري نتيجة الضغوط التي مارستها القوي السياسية لتعجيل تسليم السلطة والتي أدت بالفعل إلي خروج بعض القرارات والإجراءات التي يشوبها العوار القانوني وأقصد بذلك تحديداً الإعلان الدستوري الذي تضمن مادة تقول إن أعضاء مجلسي الشعب والشوري ينتخبون أعضاء اللجنة التأسيسية لوضع الدستور، دون أي تحديد لطريقة الانتخاب وعما إذا كان الانتخاب سوف يقتصر علي مرشحين من مجلسي الشعب والشوري فقط وأيضاً الضوابط والقواعد المنظمة لوضع الدستور. ولا شك أن الخروج من هذا المأزق يحتاج بالفعل إلي إعلان دستوري جديد أو توافق شعبي يتضمن ضوابط الاختيار وقواعده ويضمن التمثيل الأمين لجميع قوي المجتمع دون أن نصادر حق الأغلبية البرلمانية والتي جاء اختيارها بطريقة ديمقراطية شهد بها العالم كله. وإذا كانت المؤشرات تؤكد بالفعل نجاح جماعة الإخوان والسلفيين في الفوز بالأغلبية فإن هذا النجاح في حد ذاته يحتاج إلي قوة تحميه وتضمن استمراره وهذه القوة يمثلها التفاف الشعب المصري كله من حولها وأيضاً دعم ومساندة بقية القوي السياسية الفاعلة في المجتمع.. المطلوب مزيد من الذكاء السياسي والحكمة والرشاد أثق أنها تتوافر لدي قادة جماعة الإخوان والسلفيين.. ودعونا بكل صراحة نقول إن هناك حالة من الخوف تنتاب المجتمع المصري بسبب بعض التصريحات غير المسئولة التي يصدرها بعض قادة الجماعة وتناقضها وعدم صدور بيانات حازمة وجازمة تجاه بعض القضايا التي كانت سبباً في حالة الخوف تلك.
إن أي نص دستوري لابد أن تلازمه قوانين أو إجراءات تشرح أبعاده وأهدافه وتضمن تحقيق الهدف المنشود منه. وإذا كانت المادة 06 من الإعلان الدستوري قد تضمنت حق مجلسي الشعب والشوري في انتخاب أعضاء لجنة وضع الدستور فإنها لم تتضمن أي معايير لهذا التشكيل أو ضوابط حاكمة له. وأعتقد أن إسراع المجلس الاستشاري بوضع هذه المعايير أو صدور إعلان دستوري جديد مكمل للإعلان السابق يمثل ضرورة قصوي وقبل انتهاء الانتخابات البرلمانية. لا شك أن وجود المجلس الاستشاري يمثل ضمانة هامة في طريق اجتياز الأزمة الحالية بنفس القدر الذي يمثله كحام ومدافع عن الثورة التي يحاول البعض اليوم تحويلها إلي نوع من الغنائم السياسية بعيداً عن أصحابها الحقيقيين. نحن في حاجة لإعلان يتضمن الضوابط الخاصة للجنة وضع الدستور يجيب عن تساؤلات عديدة منها ماذا يحدث لو رفض الشعب المصري الدستور الجديد.. هل يعاد إلي نفس اللجنة أيضاً؟ وما المدة الملزمة للانتهاء من وضع الدستور؟. وهل سيتم الاستفتاء عليه دفعة واحدة أم مادة مادة؟ وغيرها من الأسئلة الحائرة. وأعتقد ووفقاً للإطار القانوني للمجلس الاستشاري أن باب الاجتهاد يصبح مفتوحاً أمامنا جميعاً للحديث حول طريقة تشكيل اللجنة، دعونا نتفق علي أن حق الاختيار لأعضاء اللجنة هو لأعضاء مجلسي الشعب والشوري كما نص الإعلان الدستوري. ولكن من هم جمهور المرشحين؟.. أعتقد أن المجلس الاستشاري مطالب بتحديد عدد معين من الشخصيات التي تمثل كل قوي المجتمع وخبراته وليكن مائة شخصية تتضمن كل نقباء النقابات المهنية وجميعهم منتخبون بطريقة حرة وديمقراطية كما يتضمن ممثلين عن اتحادات العمال والغرف التجارية والصناعية وممثلين عن الأزهر والكنيسة وعدداً من قيادات القضاء خاصة الفقهاء الدستوريين ورؤساء جميع الأحزاب وممثلين عن المرأة والفن والثقافة وبعض شباب الثورة، وعلي أن يقوم أعضاء مجلسي الشعب والشوري بتحديد 05 شخصية أخري سواء من داخل المجلسين أو من خارجهما نصفهم من خارج أعضاء أحزاب الأغلبية أو الأحزاب التي تمثلها. وبذلك يصبح لدينا 051 شخصية يتم عن طريق مجلسي الشعب والشوري اختيار مائة منهم في جلسة علنية وعلي أن يتولي المجلس الاستشاري وضع الضوابط الخاصة بمدة الانتهاء من الدستور وماذا يحدث في حالة عدم موافقة الشعب في الاستفتاء عليه، كما يضع المبادئ العامة الخاصة بمواد الدستور وعدم خروجه عن نمط المجتمع وتقاليده وقيمه الراسخة. ودستور.. يا اسيادنا ويا اخوانا.