محمود السعدنى علي هذه الصفحات ستقرأ ما يسميه البعض »قصة حياتي« ولكني أسميها »أخطاء حياتي«... ستقرأ قصص ملوك، وقصص »صياع« وقصص أبطال في ثياب رعاع، وقصص رعاع لهم حركات الأبطال! وبقدر ما كانت هذه الأيام عاصفة، بقد ما كانت لذيذة، وبقدر ما كانت بائسة، بقدر ما كانت عريضة، وعلي الرغم من الظلام الذي اكتنف حياتي، وعلي الرغم من البؤس الذي كان دليلي وخليلي، إلا أنني لست آسفًا علي شيء. فلقد كانت تلك الأيام حياتي! ومن عصير تلك الأيام، ومن رحيق تلك الليالي، خرج إلي الوجود ذلك الشيء الذي هو أنا! وسواء قرأت هذه الصفحات ولعنت حياتي، أو قرأتها ورثيت لها، فأنا علي أية حال عشتها ولعنتها... ولكني أحببتها كثيرًا!.هكذا كتب الكاتب الكبير محمود السعدني اعترافاته في كتابه الذي أعادت دار الشروق نشره في هذه الايام ضمن سلسلة أعمال الكاتب الكبير تحت عنوان " مذكرات الولد الشقي " وكتب الشاعر الكبير كامل الشناوي يقول عن هذا الكتاب : كنت أعتقد أن خيال محمود السعدني أقوي ما فيه، فهو إذا كتب أو تحدث أضفي علي ما يكتبه وما يقوله صورا يستمدها من خيال أوسع من عقليات العلماء، وذمم المرابين! ولكن مذكرات "الواد الشقي" أثبتت أن ذاكرة السعدني أقوي من خياله. إنه يروي أحداث طفولته بدقة وتفصيل، كما لو كانت هذه الأحداث قد وقعت له منذ لحظات، ولقد توهمت وأنا أتابع حلقات هذه المذكرات في "روز اليوسف" أن خيال السعدني قد طغي علي الحقيقة. ولكن أصدقاء طفولته الذين زاملوه في الحارة أكدوا لي أن السعدني قدم نفسه في مذكراته وهو متجرد من خياله من ثيابه معا! والصورة التي تطالعني للسعدني من خلال مذكراته أنه كان في طفولته يملأ حجره بالطوب ويمشي في الحارة، ويقذف الناس، ويجري... ولا هدف له إلا أن يضحك من رؤية من يقذفهم وهم يتوجعون! هذا الولد الشقي في الحارة، أصبح الولد الشقي في الصحافة، فهو يملأ حجره بالطوب ويقذف أهل الفن ولاعبي الكرة ويجعل منهم مادة للهزء والسخرية. الفرق بين محمود السعدني في الحارة ومحمود السعدني في الصحافة أنه، وهو في الحارة لم يكن له هدف من إلقاء الطوب علي عباد الله إلا أن يضحك منهم ويجري... أما السعدني في الصحافة فإنه يهدف من إلقاء الطوب إلي تقويم ما يراه معوجا بالمنطق والعنف وبالأسلوب النابض الساخر الذي يتحدي من يهاجمهم ألا يشعروا باللذة وهم يقعون تحت ضربات قلمه القاسي! وهو في الصحافة يلقي الطوب علي ضحاياه ولا يجري يخطئ من يظن أن السعدني سليط اللسان فقط.. إنه سليط العقل والذكاء أيضا، وهذا سر جاذبيته كصحفي، وكاتب، وإنسان