من قمة السلطة والثروة والنفوذ إلي ظلمة الزنازين والأسر والذل.. هذه المفارقة الدرامية بكل تناقضاتها استهوت الكاتب والسيناريست محسن الجلاد فاتخذها محوراً لأول مسلسل تليفزيوني يتناول رموز النظام السابق بعنوان »المزرعة« الذي تدور أحداثه بالكامل داخل سجن »طرة« منذ اللحظة التي دخل فيها وزراء حكومات مبارك لي الزنازين ليعيشوا واقعاً جديداً لم يراودهم حتي في أسوأ أحلامهم. المسلسل يبدأ تصويره الشهر المقبل بعد أن حصل مؤلفه علي موافقة الرقابة النهائية علي السيناريو.. ويجري حالياً اختيار أبطاله الذين سيظهرون بملامح قريبة من الشخصيات الحقيقية لكن بأسماء مختلفة.. هذا ما كشف عنه المؤلف في حواره معنا قلت له: أليس الوقت مبكراً لتناول أحداث ثورة 52 يناير درامياً.. ألا تتطلب الدراما بعض الوقت لاستيعاب ما حدث؟ قال: نعم.. مازال الوقت مبكراً لأن الثورة لم تنته بعد ومازلنا نعيش الحدث ذاته لكن مسلسل »المزرعة« بعيد تماماً عن أحداث الثورة انه يتناول الأحداث داخل سجن طرة من خلال هذا الانتقال المفاجيء لعلية القوم الذين صاروا خلف القضبان.. فالأحداث تبدأ وتنتهي داخل المزرعة منذ بداية دخولهم السجن. ما الذي استهواك في هذا الموضوع وما هو القالب الدرامي الذي وضعت فيه رؤيتك؟ الأحداث تدور في قالب كوميدي سياسي لأنها دراما سوداء لابد من تخفيفها فأقدم فسادهم باسلوب كوميدي وما استهواني وشدني في المزرعة ان مجموعة الكبار كلهم تجمعوا في مكان واحد.. ومنذ دخولهم والصحف لا تخلو من أخبار يومية عما يجري في طرة وقد بدأت الكتابة منذ أربعة شهور وقبلها قمت بزيارة المزرعة مرتين وجلست مع بعض الضباط وأنا أقدم نجوم طرة كعبرة وجرس إنذار لكل مسئول قادم فمن كان يصدق أن هؤلاء الكبار سيكونون داخل الزنازين. وهل ستعتمد بشكل أساسي علي ما تناولته الصحافة عن سجن طرة؟ في جزء محدود منها لكنني أعتمد بالدرجة الأولي علي خيالي كمؤلف وما يمكن أن تجري من حوارات وأحداث ومواقف كوميدية صارخة ومأساوية أيضاً بين هؤلاء الكبار داخل الزنازين المغلقة. ولماذا قررت انتاج المسلسل بنفسك؟ ومتي يبدأ التصوير؟ لدي شركة انتاج منذ عام 29 انتجت من خلالها مسلسلات ومسرحيات لكن انشغالي بالكتابة جعلني أجمد نشاطها منذ فترة.. وظروف هذا المسلسل تحتم عليَّ انتاجه وتشارك معي قناة فضائية كبيرة.. ونحن الآن في مرحلة تفاوض مع الممثلين واختيار المخرج وبقية فريق العمل لنبدأ التصوير الشهر المقبل. هل سيتم »اختيار ممثلين قريبي الشبه من الأبطال الحقيقيين؟ وهل سيظهرون بأسمائهم الحقيقية؟ الأسماء بالطبع ستكون مختلفة لكن المناصب موجودة مثلاً وزير الداخلية يظهر باسم جديد لكن بشكل قريب، ومبارك سيظهر باسم »الريس« وسوزان مبارك باسم »سهام هانم«.. أما الشكل فلن نسعي للتطابق ولن نعمل »لوك« لكل ممثل ليظهر قريباً من الشخصية الحقيقية فالمهم أن يكون الممثل قادرا علي احتواء الشخصية التي سيؤديها. ما حقيقة الاعتراضات الرقابية علي المسلسل؟ الرقباء اعترضوا علي أشياء كثيرة ودخلنا في مناقشات عديدة فقد اخترت أسماء الشخصيات الدرامية علي وزن الأسماء الحقيقية فاعترضوا وطالبوا بأسماء بعيدة عنها وقد استجبت لذلك. وهل لمست تغييراً في عقلية الرقباء بعد ثورة 52 يناير؟ اصطدمت بالرقباء قبل وبعد الثورة وفي كل اعمالي من »دواعي أمنية« وقضية رأي عام وللثروة حسابات أخري وأري أن أيدي الرقباء لاتزال مرتعشة خاصة في الصف الثاني والثالث لكن الكبار منهم متفهمون تماماً لاختلاف المرحلة وعلي رأسهم د.سيد خطاب رئيس الرقابة.. وأنا أري أن جهاز الرقابة لابد ان يختص رقابياً بما يمس الدين والأخلاق ويرفع يده عن السياسة. وما الشخصيات التي استوقفتك درامياً من رموز النظام السابق؟ أراهم جميعاً شخصيات واضحة لكن شخصية جمال مبارك أكثرهم ثراء درامياً فقد كان بينه وبين مقعد الرئاسة خطوة واحدة.. كانت طموحاته بين يديه ثم تبخر ذلك كله في لحظة وانتهي به الحال إلي السجن. وهل يتطرق المسلسل إلي شخصية الرئيس السابق أيضاً؟ في أحداث المسلسل ديكوران رئيسيان الأول سجن المزرعة والثاني جناح الرئيس السابق في المستشفي.. وهناك مشاهد يظهر فيها أثناء التحقيقات. هل ستلجأ إلي اسلوب »الفلاش باك« لكشف الفساد الذي أودي بهم إلي المزرعة؟ أري أن صورة الفساد الكاملة للنظام لم تتكشف أبعادها حتي الآن، نعم كلنا نشعر بالفساد ولكننا كنا نلمح به ربما بدافع الخوف والقهر وأنا شخصياً تطرقت لهذا الفساد في مسلسل »قضية رأي عام« و»للثروة حسابات أخري« لكنني اخترت ان تكون الأحداث فقط داخل المزرعة. هل تري أن الثورة حررت الناس؟ بالتأكيد طبعاً لكننا نحتاج الآن لثورة أخري علي أنفسنا.. لأننا عشنا في حضن هذا النظام ونشأنا علي فساده فأصبحنا فاسدين بدرجة أو أخري ولابد أن نتطهر من فسادنا الذي غرقنا فيه وصرنا جزءا منه.. لقد قضينا علي رأس الفساد لكن الجسد مازال موجوداً فينا ونحتاج لثورة فعلية عليه نحتاج تعليم بجد وثقافة بجد لمجتمع يريد أن ينهض نريد أن نعمل جميعاً لصالح مصر وليس لمصالحنا الشخصية. تعني بذلك المظاهرات والمطالب الفئوية؟ المظاهرات والمطالب لعبة يشارك فيها أطراف عديدة وقوي داخلية وخارجية ومصر الآن جريحة ومريضة وهناك من يريد أن يستغل ضعفها والكل يلعب لمصلحته الشخصية دون اعتبار لمصلحة مصر وهذا أمر يثير الرعب في نفوس كثير من الناس. في مسرحيتك »بلاد في المزاد« تطرقت الي سلبية الشعب المصري في مواجهة الكبار.. فهل تغير رأيك بعد ثورة 52 يناير؟ كنت دائماً من الذين آمنوا أن الشعب المصري سلبي وخاضع لحكامه.. لكن ثورة 52 يناير جاءت بمثابة مفاجأة لي وشعرت أننا مازلنا قادرين علي الفعل فلم يتخيل أحد أن ينتهي الحال بهؤلاء الكبار الفاسدين الي الزنازين.. من يصدق أن صفوت الشريف وزكريا عزمي وجمال مبارك في السجن الآن.. وعلينا أن نستكمل الثورة ونتكاتف جميعاً »ايد واحدة« لبناء المجتمع. في مسلسلك »قضية معالي الوزيرة« الذي يستأنف تصويره الآن رفضت إضافة مشاهد خاصة بحدث ثورة يناير فما وجهة نظرك؟ - المسلسل انتهيت من كتابته قبل الثورة وتوقف التصوير وكانت هناك اقتراحات بإضافة أحداث الثورة إليه لكنني رفضت من منطلق قناعتي أنني يجب ألا ألوي عنق الأحداث ولديَّ أفكار عديدة لموضوعات درامية شبه مستقرة في رأسي لكن كتابتها تحتاج لبعض الوقت فالأحداث لم تستقر بعد ولابد أن أكون مستوعبها تماماً.