38 عاما كاملة احتاجتها مصر لكي تتوج انتصار اكتوبر العظيم عام 1973 بثورة الحرية والديموقراطية في يناير 2011 عندما عبر المصريون حاجز الخوف والديكتاتورية بعد ان عبر آباؤهم واخوتهم قناة السويس ودمروا خط بارليف. لهذا السبب سيبقي انتصار اكتوبر نقطة مفصلية ومضيئة في تاريخ مصر . فقبل اكتوبر 73 لم يكن ممكناً ان يعلو صوت فوق صوت المعركة ضد الاحتلال الاسرائيلي. ولكن بعد النصر كان من الضروري ان ترتفع الاصوات المطالبة بالعدالة والديموقراطية. لم تكن معجزة اكتوبر انجازاً لنظام بعينه او قوة سياسية محددة بل كان انتصاراً للامة كلها . ورغم تغير القادة والزعماء والرؤساء ظل نصر اكتوبر العظيم مسجلاً في كتب التاريخ باسم الشعب المصري. الاحتفال بانتصار اكتوبر هذا العام يكتسب طعماً خاصاً . فالاضواء كلها يجب ان تتركز علي ابناء مصر البسطاء من القادة والضباط والجنود الذين فاجأوا الدنيا كلها بمعجزة الانتصار علي اسرائيل ومن وراءها ثم تواروا في تواضع نبيل مقتنعين بأنهم لم يفعلوا شيئا سوي خدمة الوطن وحماية ترابه المقدس. عاد هؤلاء الابطال الي حقولهم ومصانعهم وجامعاتهم لاستكمال اداء واجبهم في النهوض بالوطن بينما تصدر الجبناء مواكب النصر واحتكروا اكاليل الغار، وقفز الكثيرون من الانتهازيين والمتسلقين لجني ثمار النصر الكبير! هكذا، اكتفي الابطال الحقيقيون ببذل عرق الكادحين بعد ان قدموا لوطنهم دماء المقاتلين .. وطوال السنوات الماضية كانوا يتابعون في صمت هؤلاء اللصوص والمرتزقة الذين يستنزفون بلادهم ويسلبونها قوت ابناءها البررة المخلصين .. ورغم ذلك لم يندم مصري واحد علي تضحيته من اجل الوطن .. ظل ابناء اكتوبر علي عهدهم واستمروا يعلمون ابناءهم واحفادهم اشرف معاني الوطنية والفداء .. هؤلاء الابناء والاحفاد هم الذين قادوا معركة تحرير الوطن من الديكتاتورية والظلم والفساد يوم 25 يناير 2011 ليؤكدوا انهم امتداد طبيعي وعبقري لعظماء اكتوبر 1973 وانه بدون الانتصار المبهر علي اسرائيل في حرب "يوم الغفران" بسيناء ما كان ممكناً ان تتفجر ثورة "يوم التطهير" بميدان التحرير. لقد استلهم الابناء كل ما تمتع به الاباء من طهر ونقاء واندفعوا يكملون مهمة تحرير الوطن من الديكتاتورية والفساد بعد ان حرره الاباء من نير الاحتلال. وكما حطم عظماء اكتوبر خط بارليف وحرروا سيناء، دمر الابناء حاجز الخوف والقمع والقهر وفتحوا كل ابواب الوطن امام نسيم الحرية والعدالة والديموقراطية. وكانت هذه الحرية هي اروع ثمار حرب اكتوبر رغم انها تحققت بعد 38 عاماً. أكد خلالها المصريون ان هذا النصر لم يكن انجازاً لاثرياء الانفتاح بل معجزة طمي النيل وحجارة الاهرامات ومداخن المصانع وخضرة الحقول في جميع انحاء مصر.