نشرت جريدة »الأخبار« تحقيقاً صحفياً عن البكباشي الثائر زكريا محيي الدين الذي خرج مع رفاقه الضباط الأحرار يوم 32 يوليو 2591 والذي اعتزل الحياة السياسية بعد أن أوكل إليه جمال عبدالناصر رئاسة الجمهورية بعد تنحيه إثر النكسة وكان قد تولي رئاسة الوزارة وعينه عبدالناصر نائباً له. ونحن هنا نضيف موقفاً من مواقفه التي تكشف عن مدي حرصه علي استقلال القضاء والاعتزاز برجاله ويدل علي روح الثورة التي كانت تملأ وجدانه. كان المستشار محمد زكي شرف وكيل محكمة النقض قاضياً شهيراً ذاع صيته بسبب أحكامه في القضايا الجنائية والسياسية التي تولاها قبل الثورة. لذلك حينما أعلنت الجمهورية في عام 3591 استدعاه رئيس الجمهورية اللواء محمد نجيب وبحضور رئيس الوزراء البكباشي جمال عبدالناصر طلبا منه تولي وزارة العدل ولكنه اعتذر لهما قائلاً إنه يفضل البقاء علي المنصة قاضياً ولا يتولي منصباً سياسياً أو إدارياً. وقال القاضي هو ظل الله علي الأرض يقيم العدل باسم الله وبوحي من ضميره. وأسندت الوزارة إلي المستشار أحمد حسني الذي كان يدرك قيمة وقامة محمد زكي شرف وظل يحاول استقطابه للوزارة معه فأصر علي رفضه، حتي استطاع أخيراً أن يقنعه أحمد حسني بأنه قد استحدث له وظيفة وكيل دائم لوزارة العدل وهي تعني أنه الوزير الفني الذي يتولي جميع أمور القضاء . وحدث أن ألم بوزير العدل أحمد حسني مرض استدعي سفره للخارج ليعالج منه، وتولي زكريا محيي الدين منصبه حتي يعود فأوكل للوكيل الدائم محمد زكي شرف جميع اختصاصاته وطلب منه التصرف كأنه وزير العدل. وفي أحد الأيام طلبه في مكتب الوزير فلم يجده فاتصل به في مكتبه وسأله بدهشة: لماذا لا تجلس في مكتب الوزير؟ أجاب شرف: لأنه مكانك حين تحضر تجده يرحب بك. فأجابه: يا معالي المستشار أنا لن أدخل أبداً وزارة العدل حتي لا يقال إن ضابطاً قد تدخل في أمور القضاء والعدالة.. وقدر رجال المنصة هذا الموقف للثائر الحقيقي زكريا محيي الدين بينما ظل محمد زكي شرف في موقعه رافضاً أن يكون وزيراً إدارياً وسياسياً حتي بعد رحيل الوزير أحمد حسني.