رسالة جنيف : ماجدة طنطاوي الحياد بالنسبة لكل ما يحدث في العالم هو الموقف التاريخي الذي اختارته سويسرا لنفسها كي يحافظ ذلك البلد الصغير علي نفسه وسط أنواء السياسة والحروب التي كانت تعصف بالقارة الاوروبية العجوز.. الجيش السويسري كان أهم أحد مظاهر هذا الحياد.. حيث لم يشترك في اي عمليات خارج بلاده علي الاطلاق.. لكن هذا الجيش اصبح محل جدل شديد هذه الايام بسبب التقرير الذي اصدرته الحكومة السويسرية عن الاستراتيجية الخاصة بالأمن الوطني السويسري التي اعتبرتها كثير من الأحزاب تمسك العصا من المنتصف لترضي جميع الاطراف فانتهت الي عدم ارضاء أحد. الاحزاب السياسية سواء اليمين او اليسار اعتبرت ان التقرير يفتقر لتقييم دقيق للتهديدات التي يمكن ان تواجهها البلاد ولاستراتيجية الرد عليها ان اصبحت امراً واقعاً.. وبدا ان مضمون التقرير الذي تأجل اكثر من مرة حاول ارضاء المعسكرين اللذين دخلا في مواجهة عامة متكررة خلال الأشهر الأخيرة حول الوجهة المستقبلية للجيش السويسري.. اي فئة الداعين الي مزيد من الانفتاح علي الخارج وفئة القوميين المتمسكين بعزلة بلادهم داخل أوروبا. ويشدد التقرير الجديد علي ضرورة حفاظ سويسرا علي حياد دائم ومسلح.. منوهاً في المقابل إلي أن ذلك الحياد لا يمنع بتاتاً من اقامة تعاون عام.. ويظل الانضمام الي تحالف عسكري مثل حلف شمال الاطلسي »الناتو« امراً مستبعداً مع التأكيد علي ان الانخراط في مسار الشراكة من اجل السلام ليس في اي حالة من الاحوال بمثابة قاعة انتظار للإلتحاق بالناتو.. ويبرز التقرير في هذا السياق الاتفاق الاطاري الذي ابرم مع الاتحاد الأوروبي حول المشاركة في مهمات تعزيز السلام وعلي مستوي الدفاع الوطني لا يزال حدوث هجوم عسكري ضد سويسرا امرا غير مرجح ولكنه غير مستبعد تماماً علي المدي البعيد.. وبالتالي يتعين علي الجيش ان يحتفظ بالقدرات الضرورية.. اي الحد الأدني من حيث الكم ومستوي جيد من حيث الكيف لرد الفعل اذا اقتضي الامر.. ولا مجال في المرحلة الراهنة اطلاقاً لعرض رؤية مفصلة عن مثل هذا التحرك.. بحيث تفضل الحكومة السويسرية ان يقدم لها الجيش كل عام تقييماً للوضع.. كما لا تري الحكومة اي داع لاعادة النظر في نظام الميليشيات الذي يعتمده الجيش السويسري.. ولا في نظام الخدمة العسكرية الاجبارية المعتمد منذ عقود. وخلافاً لتقرير عام 0002 لم تسع الوثيقة الجديدة الي ارساء اسس للاصلاح.. بل استهدفت اعطاء دفعة للجيش الذي يشهد تغييرات متسارعة.. ففيما يتعلق بالتدخلات في الخارج يشدد التقرير علي ان الهدف يظل تعزيز الوحدات العسكرية المشاركة في برامج الترويج للسلام حول العالم.. لكن التقرير يشير في الوقت نفسه الي ان هذا الهدف سيكون صعب التحقيق بسبب الافتقار للمرشحين.. كما دعا التقرير الي رفع جودة الخدمة التي يقدمها الجيش. الحكومة دافعت عن التقرير الذي اصدرته علي لسان وزير الدفاع »أولي ماورر« الذي قال انه قد لا يكون هذا التقرير مذهلاً لكنه حل وسط معقول وضعته الحكومة توافقية.. واوضح وزير الدفاع ان الحكومة الفيدرالية ستواصل انتهاج نفس السياسة لكن مع الأخذ بعين الاعتبار قرارات البرلمان.. واشار ماورر الي ان غرفتي البرلمان وهما مجلسا النواب والشيوخ رفضا المشاركة في عملية »أتالانت« وهي المهمة التي أطلقها الاتحاد الأوروبي لمكافحة عمليات القرصنة علي السواحل الصومالية.. وكذلك الدورات التدريبية في الخارج.. كما ان التعاون مع وكالة الدفاع الأوروبية يثير جملة من الاعتراضات.. وبالتالي فإن الامر يستدعي التقدم خطوة بخطوة.. وتخطط الحكومة السويسرية للتركيز علي بعض المجالات مثل النقل الجوي والخدمات اللوجستية والاستعلامات. وستتاح للأحزاب والجهات المعنية فرصة جديدة للتعبير عن مواقفها في جلسة استماع خاصة قبل ان تتبني الحكومة الفيدرالية في يونيو القادم التقرير النهائي وتعرضه علي موافقة البرلمان.. وستتسلم الحكومة من وزير الدفاع أيضاً تقريراً خاصاً حول الجيش. وقد اعتبر الحزب الليبرالي الراديكالي اليميني ان التقرير الجديد حول سياسة الامن لم يشمل اي تغيير نموذجي لمفهوم الامن رغم أنه أقر في المقابل ان الحكومة الفيدرالية تمكنت من الحفاظ علي ما هو اساسي.. لكن الراديكاليين اعربوا عن اسفهم لكون التقرير لم يسهب في الحديث عن مواضيع تفرض نفسها مثل التعاون مع الخارج او الخدمة الطويلة الأمد التي قد تطور نظام الميليشيات.. ولا عن مفهوم حديث للأمن يستجيب لاحتياجات السكان.. اما بالنسبة للحزب الاشتراكي اليساري فإن عمر السياسة الامنية للحكومة لا يقل عن 52 عاماً في حين انه ينبغي حتماً إجراء تحديث شامل نظراً للوضع الكئيب للجيش السويسري.. حزب الشعب اليميني مثله مثل مجموعة العمل من أجل سويسرا مستقلة ومحايدة انتقد ما وصفه بمقاربة ركزت بإفراط علي التعاونيات والمواثيق الدولية. من جهته أعرب حزب الخضر عن اسفه لكون التقرير قلل من خطر التغيير المناخي في قائمة التهديدات التي تطرق اليها.. فيما اعتبرت مجموعة »من أجل سويسرا بلا جيش« ان التقرير لا يجيب عن التساؤلات حول التهديدات الحقيقية الراهنة المرتبطة علي وجه الخصوص بجرائم الكومبيوتر والبيئة والهوة بين الشمال والجنوب او الارهاب.. اما جمعية الضباط السويسريين فقد اشادت من جهتها برغبة الحكومة السويسرية في الحفاظ علي نظام الميليشيات والخدمة العسكرية الاجبارية.