»إن كرامة الفرد انعكاس طبيعي لكرامة الوطن، وانطلاقا من الاهتمام الشديد بكرامة الفرد، فإننا نؤكد أن الركائز الأساسية التي يجب الالتزام بها في أداء العمل الشرطي أو الأمني تتلخص فيما يلي: احترام الكرامة الإنسانية في كل الأوقات وتحت كل الظروف. الاحترام والانصياع الكامل لأحكام القانون. احترام وحماية حقوق الإنسان. ضرورة الابلاغ عن حالات انتهاك القوانين والمباديء التي تحمي وترتقي بحقوق الإنسان. لقد حرصت دساتير الدول وقوانينها علي التأكيد علي حماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، بل إن بعض الدساتير ومنها الدستور المصري 1791 نص علي ضمانة بين نصوصه تؤكد الحرص الشديد علي عدم المساس بهذه الحقوق وتلك الحريات. وبالإضافة إلي الدور المهم للدساتير والقوانين في التأكيد علي حقوق الإنسان، فإن العديد من المواثيق الدولية والإقليمية قد أكدت ذلك منذ سنوات عديدة.وكان اهتمام منظمة الأممالمتحدة واضحا بضرورة وضع قواعد وضوابط تحكم نشاط وأسلوب عمل الموظفين المكلفين بتنفيذ القوانين، ولعله لا يوجد خلاف أن كل دولة تضم في مؤسساتها العديد ممن يعهد إليه بانفاذ القوانين، إلا أن جهاز الشرطة يأتي في مقدمة هذه المؤسسات، ومن ثم فإننا سنشير فيما يلي إلي »مدونة لقواعد سلوك الموظفين المكلفين بانفاذ القوانين«، التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة حيث إن نصوص هذه المدونة أقرب ما تكون في صلاحيتها للتطبيق علي رجال الشرطة، والالتزام بأحكامها سيؤدي إلي وجود جهاز شرطة يسعي لتحقيق التوفيق بين تنفيذ القانون مع احترام كرامة وحقوق الإنسان، وهذه هي المعادلة الصعبة في العمل الأمني، حيث إنه وللأسف يري البعض أنه من الصعب انفاذ القانون مع الاحترام التام لقواعد وضوابط حقوق وحريات الإنسان.ومما يلفت النظر في مقدمة هذه المدونة أنها أشارت إلي أن الهيئات المكلفة بتنفيذ القانون عليها أن تحقق انضباطها الذاتي، وأن تخضع أنشطة وأعمال موظفيها للمراقبة العامة سواء أكان ذلك بواسطة »مجلس مراجعة أو وزارة أو بواسطة السلطة القضائية أو أمين مظالم أو لجنة مواطنين أو أي مزيج من هذه الهيئات أو أية هيئة مراجعة أخري«. كما حرصت مقدمة المدونة علي ايضاح انه لا جدوي من أحكامها، ما لم يصبح محتواها ومعناها جزءا لا يتجزأ من عقيدة كل موظف من الموظفين المكلفين بتنفيذ القوانين من خلال التعليم والتدريب وعن طريق المراقبة. نصت المادة الأولي من المدونة أنه »علي الموظفين المكلفين بانفاذ القوانين« في جميع الأوقات أن يؤدوا الواجب الذي يلقيه القانون علي عاتقهم، وذلك بخدمة المجتمع وبحماية جميع الأشخاص من الأعمال غير القانونية، علي نحو يتفق مع علو درجة مسئوليتهم التي تتطلبها مهنتهم. وقد أكدت المدونة في التفسير المرفق بها أن مصطلح »الموظفون المكلفون بانفاذ القوانين« يشمل جميع الموظفين الذين يمارسون صلاحيات الشرطة ولاسيما صلاحيات الاحتجاز، كما أن الالتزام الذي يقع علي هذه الفئة لا يقتصر علي تغطية جميع أعمال العنف والسلب والأذي وحدها، بل يتخطي ذلك ليشمل جميع المحظورات التي تقع تحت طائلة القانون الجنائي. وفرضت المادة الثانية التزاما علي عاتق الموظفين المكلفين بانفاذ القوانين باحترام الكرامة الإنسانية وحمايتها والمحافظة علي حقوق الإنسان لكل الأشخاص اثناء قيامهم بواجباتهم. وتأتي المادة الثالثة وهي من المواد شديدة الأهمية، حيث فرضت التزاما علي الموظفين المكلفين بانفاذ القوانين بعدم استعمال القوة إلا في حالة الضرورة القصوي وفي الحدود اللازمة لأداء واجبهم. ومعني ذلك أن الأصل العام هو عدم جواز اللجوء إلي استعمال القوة، والاستثناء هو استعمالها، علي أن يكون ذلك مرهونا بتفادي وقوع الجرائم أو بتنفيذ الاحتجاز القانوني للمجرمين أو المشتبه بأنهم مجرمون، أو المساعدة علي ذلك.. ومن ثم فالنص لا يجيز استخدام القوة فيما يتعدي ذلك، ويجب أن يراعي هنا احترام مبدأ أو شرط التناسب الذي عادة تنص عليه القوانين الداخلية.وقد حرص التفسير المرفق بالمدونة أن يؤكد علي أن استعمال الأسلحة النارية يعد تدبيرا أقصي يستعمل عندما يبدي الشخص المشتبه في ارتكابه جرما، مقاومة مسلحة، أو يعرض حياة الآخرين للخطر بطريقة أخري، وتكون التدابير الأقل غير كافية. وتعد المادة الخامسة في رأينا أهم مواد هذه المدونة حيث فرضت علي الموظفين المكلفين بانفاذ القوانين التزاما بعدم القيام بأي عمل من أعمال التعذيب أو غيره من أنواع المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة للكرامة أو التحريض عليه أو التغاضي عنه كما لا يجوز للموظف أن يتذرع بأوامر عليا أو بظروف استثنائية مثل تعرض الأمن القومي للخطر أو زعزعة الاستقرار السياسي الداخلي أو أية حالة من حالات الطوارئ العامة.وقد نص الدستور المصري والقوانين المحلية علي أن التعذيب يعد أمرا محظورا مهما كانت الظروف ولا يوجد أي تبرير للجوء إليه.ثم جاءت المادة السابعة من المدونة لتفرض التزاما علي عاتق الموظفين المكلفين بتنفيذ القوانين بالامتناع عن ارتكاب أي فعل من أفعال إفساد الذمة وعليهم أيضا مواجهة هذه الأفعال ومكافحتها بكل صرامة. أما النص الأخير في المدونة »م8« فيطالب الموظف المكلف بانفاذ القانون باحترام القانون وأحكام المدونة والالتزام قدر الاستطاعة بمنع وقوع أي انتهاكات قانونية ومواجهتها بكل حزم، مع ضرورة القيام بابلاغ السلطة العليا في حالة وقوع انتهاك للقانون، وعند اللزوم ابلاغ غيرها من السلطات والاجهزة المختصة التي تتمتع بصلاحية المراجعة او رفع الظلم . وقد يسود الاعتقاد بأن أحكام هذه المدونة والتقيد بتنفيذها سيصل بجهاز الشرطة إلي كسب ثقة المواطن وتغيير الصورة الذهنية لرجل الشرطة لدي المواطن ولكن هذا أمر علي درجة كبيرة من الأهمية لان هناك دورا للمواطن حيال رجل الشرطة؟ إن احترام الكرامة الإنسانية وحقوق وحريات الإنسان ليست التزاما علي طرف واحد، بل هي تمثل حقا وواجبا في وقت واحد. من حق المواطن أن يلقي احتراما لكرامته وحقوقه المشروعة لدي رجل الشرطة، ومن حق رجل الشرطة أن يلقي احتراما لكرامته وحقوقه المشروعة لدي المواطن وبالإضافة إلي ذلك أن يكون المواطن عونا له وداعما اثناء أداء واجباته فالأمن هو حق للمواطن، وفي الوقت نفسه يعد واجبا علي المواطن، فالهدف مشترك بين رجل الشرطة والمواطن، وهو حماية أمن مصر وهو ما سوف نتناوله في مقال قادم.