ما عرفنا زمنا مثل هذه المرحلة ، استنفرت فيها البلاد فأستحوذ عليها الاهتمام بملعب السياسة ( لا كرة القدم ) وانشغلت بالديموقراطية ومطالب بالحقوق بأنواعها ( دون الواجبات طبعا ) فالندوات كثر، والمؤتمرات و كذا محافل الكلام فالكل منشغل بما لم ينشغل به قط: الدستور أولا أم الانتخابات ،الليبراليون أم الاخوان من يتحالف مع من، ونسينا في غمرة ذلك قيمة اسمها الانتاج والعمل! السطور التالية قد تكون مختلفة بعض الشيء او لا تعتبر كذلك من حيث انه كله كلام * كلام ، لكنه مختلف من حيث إنه مستمد من تجارب آخرين .. و هذي سطور من نتاج عدة جلسات مع سفراء لدول متميزة وأعدها المجلس المصري للعلاقات الخارجية بالتعاون مع وزارة الخارجية أختار من بينها ملاحظات أبداها سفيري تركيا و البرازيل. لنبدأ بالسفير التركي حسين بوتصيلي الذي تتوجه بلاده غدا الاحد الي صناديق الانتخاب في معركة نتيجة الفوز فيها متوقعة مقدما بفوز حزب العدالة والتنمية للمرة الثالثة علي التوالي ، بعدما حققت تركيا مع حكومة رجب طيب أردوجان منذ عام 2002 احد اكبرمعدلات التنمية الاقتصادية، فلا يفوقها في التنمية غير الصين ثم الهند، و هذا ما قفز بها لمرتبة الدولة رقم 17 علي قائمة أكبر اقتصاديات العالم... ولكن لهذه الانتخابات حساسية خاصة حيث يعقبها وضع الدستور المدني الجديد ، فالحالي قد وضعه العسكريون عام 1982 بعد الانقلاب الذي قاموا به و طرأت عدة تعديلات عليه لا أقل من اربع مرات ... أما الحساسية فمصدرها ان جذور حزب العدالة و التنمية اسلامية وإن باعتدال - بينما الحكم في تركيا علماني متأصل منذ ان أرسي مصطفي كمال( أتاتورك ) دعائم الجمهورية .. ثم ان اردوجان قد أعلن أنه في حالة فوز حزبه بثلثي مقاعد البرلمان فسوف يتولي الحزب وضع الدستور الجديد بدون مشاركة الاحزاب الاخري وبلا استفتاء عليه .. و ما تخشاه الاحزاب الليبرالية ويحذر منه المراقبون في الغرب هو احتمال التحول الي حكم الحزب الواحد أو ربما الحيدة عن العلمانية ، أو اشتداد قبضة اردوجان مع طول البقاء في الحكم و هو حاليا يتهم بفرض قيود مشددة علي حرية التعبير والصحفيين ! ولنبدأ مع سفير تركيا حسين بوتصيلي يثني علي الثورة المصرية قائلا: إنها الثورة الشعبية الوحيدة غير الدموية علي مر التاريخ ، ولابد أن يكون هذا ملهم للشعب بانطلاقه الي تكاملها بالعمل .. ثم ينقل الينا نصيحة رئيس تركيا التي قالها للوفد الشعبي الذي زار تركيا مؤخرا أولها : احرصوا علي استبقاء شعلة الثورة فلا تنطفيء ، والشق الآخر : ألا تستغرقكم مشاعر الانتقام ، فانظروا للأمام كي تتقدموا سريعا و لا تنشغلوا كثيرا بالنظر للوراء ... و يري بوتصيلي سفير تركيا ان مصر بدأت تؤدي دورا جيدا في التنمية منذ عام 2004 و عليكم المواصلة سريعا فلا تفقدوا حركة الدفع ويكون بمعدل مرتفع لا يقل عن 8٪ والطريق صار ممهدا الآن أمام تحقيق عدالة اجتماعية ، و بمقدورمصر أن تقدم النموذج الذي تقتدي به الدول من حولها " فامامكم تحقيق عقد اجتماعي جديد بدون انتقام ، فانطلقوا الي الصحراء تعمقوا فيها و توسعوا في بناء مجتمعات جديدة من اجل المستقبل .. أهم تساؤل يوجه هذه الآونة لسفير البرازيل سيزاريو ميل أنطونيو نيتو لا بد أن يكون حول القفزة الاقتصادية غير المسبوقة التي حققها للبرازيل رئيسها السابق - دا لولا - في ثماني سنوات فقط ..كيف ؟ أولي الخطوات اقرار العدل الاجتماعي و بدأ بتعديل الميزان المائل المتمثل في نظام ضرائب جائر وضعه الحكم العسكري لصالح الاثرياء : 12٪ لجميع الشرائح ، فبادر برفعها الي 37.5٪ .. من حصيلة الفارق استطاع تمويل برنامج اصلاح اجتماعي بدأ من الفئة تحت حزام الفقر( 60٪ من الشعب ) فتقرر لها دعما ماليا مباشرا في حدود 200 دولارتسلم شهريا ليد ( الام ) او ربة الاسرة .. هذا غير دعم عيني كحافز للانتظام في المدارس الحكومية عبارة عن وجبتي افطار و غداء يوميا في كل مراحل التعليم ، فلا تحصيل لعلم مع بطون خاوية .. الاعتماد كبير علي منظمات المجتمع المدني في برنامج الاصلاح ، لديهم 25ألف جمعية اهلية لشعب تعدي مائتي مليون .. ثم اهتمام خاص بالمشروعات الخاصة بصغار المنتجين ... حدث مع الوقت انتعاش في الاسواق بتوسيع شرائح المستهلكين ممن كانوا في عداد المعدمين ، غير توسع شريحة الطبقة الوسطي و هي العماد والدليل علي قوة الاقتصاد في أي مكان ... سئل عن معدل المرتبات بين العمالة فقال إنها من قبل كانت في حدود مائتي دولار و ارتفعت بعد سنوات دا لولا الي خمسمائة دولار ، والمستوي المتوسط ألف دولار أما الاعلي فقد يصل الآن الي الفي دولار في الشهر ... ولم ينس سفير البرازيل أن يقول إن امامهم ما يزال هدف القضاء التام علي الفقر مع عام 2020. سيزاريو ميل- انطونيو نيتو منقول لمقر الخارجية في برازيليا ليتولي مهمة الاشراف علي العلاقات مع الشرق الاوسط الذي عمل متنقلا بين اهم عواصمه خلال الحقبة الاخيرة .. وروي لنا ان وزير الخارجية السابق احمد أبو الغيط عندما استقبله لأول مرة أبدي اهتمام مصر بالانضمام الي مجموعة BRIC التي تضم البرازيل و روسيا والهند والصين ) وقال السفير انه تولي علي الفور ترتيب زيارة لوزير الخارجية الي البرازيل ولكن تبين فيما بعد أن للمجموعة تحفظات علي نظام الحكم في مصر .. أما الآن يقول السفيرالبرازيلي مستطردا : بعد هذه الثورة و التحول الي الديموقراطية فما أحسب الا ان الطريق أمام انضمام مصر صار مفتوحا ( جنوب أفريقيا انضمت مؤخرا فزاد علي الحروف الأربعة حرف (اس ) BRICS .. ومن الدول المحتمل انضمامها: تركيا والمكسيك و نيجيريا واندونيسيا.