النظام الايراني بينه وبين الوضوح والصراحة خصومة، وهذا ليس بغريب، وكنت آمل أن يعود الوفد الشعبي المصري من زيارته لايران بإجابات محددة علي التساؤلات الحائرة في الشارع المصري والعربي، والتي تقف عائقا أمام عودة العلاقات الطبيعية ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن .. فعندما وجه الوفد سؤالاً حسبما نشرته الصحف للرئيس أحمدي نجاد عن التدخل الايراني في الشئون الداخلية العربية، واشتراط ايران إلغاء معاهدة كامب ديفيد، ورغبتها في نشر المذهب الشيعي. راوغ نجاد كالعادة في الاجابة علي هذه التساؤلات بما يعكس الاختلافات الكبيرة في المرتكزات السياسية المصرية والعربية مع السياسة الايرانية. وقال كلاما عاما عن عدم التدخل في الشئون العربية، واستعداد طهران لاعادة العلاقات كاملة مع مصر. ولم ينس في خضم العمومية أن يؤكد رغبته في زيارة مصر. وإن كانت اجابة نجاد تركت التساؤلات حائرة كما هي - والتعقيب عليها يحتاج إلي صفحات عن مظاهر التدخل الايراني لافساد المنطقة لصالحها - إلا أن ردود باقي المسئولين الايرانيين في الحوارات مع الوفد المصري، جاءت اكثر »جليطة« وخلعت القناع الايراني، عندما رأوا في تعقيبهم علي الجاسوس الايراني بالقاهرة، انها قضية مفتعلة هدفها التشويش علي زيارة الوفد الشعبي المصري وافسادها. هكذا وببساطة قالوا.. وهو رد غير مقبول ومرفوض وفيه اتهام للسلطات المصرية. ونأمل ان نعرف من الوفد عند عودته بما ردوا علي هذا التبجح؟ وكيف تختلق مصر هذه القضية، بينما وزير خارجيتها يعلن استعداد مصر لفتح صفحة جديدة مع ايران لعودة العلاقات الدبلوماسية كاملة؟! وهو الموقف الذي عقبت عليه في حينها. واعتبرت ان الرد الايراني علي الوزير المصري سيتأخر كثيرا لاختلاف أساسي في وجهات النظر تجاه العديد من القضايا المهمة. وبالفعل كان الرد الايراني علي الموقف المصري باردا، وتبعته قضية الدبلوماسي الايراني الجاسوس. فهل طهران تري ان التجسس علي مصر، البداية الصحيحة لصفحة جديدة! لم تكن اتهامات الايرانيين ومغالطاتهم في قضية الجاسوس فقط، وإنما كانت في كل ما اثاره الوفد المصري. وهو تصرف غير دبلوماسي وبعيد عن اللياقة. فوزير خارجية طهران يري أن انتصار الثورة المصرية، انتصارا لايران. وهو التضليل بعينه، فما علاقتكم انتم بالثورة المصرية؟! واذا كنتم تعتبرونها امتدادا لفكركم الثوري الديني فلماذا لا تناصرون ثورة الشعب السوري؟ وعندما طلب منهم تغيير اسم شارع خالد الاسلامبولي قاتل السادات في طهران، الي اسم شهداء الثورة المصرية، يردون في تبجح وما الفرق بين شهداء الثورة وخالد الاسلامبولي، فالجميع شهداء. والعلاقة بين البلدين اكبر من شارع ومقبرة، وذلك في اشارة إلي وجود مقبرة شاة ايران بمصر. في مغالطة فجة بين اسم شارع بطهران يحمل رمزا لفكر العنف والقتل ورفض لسياسة السلام المصرية. بينما مقبرة الشاة رمز للانسانية والتسامح. ام ان قادة ايران يرون ان ذلك ليس من سمات الاسلام؟ لا نعلم ماذا طرح الوفد المصري عليهم خلال مناقشة هذه المغالطات، ومن الذي اقتنع من الجانبين بوجهة نظر الآخر. وهو ما نود ان يطرحه الوفد علي الرأي العام المصري بعد عودتهم. وإن كنت شخصيا أريد ان اعرف مشاعرهم بالذهاب إلي طهران علي الطائرة التي يرافقهم علي متنها الدبلوماسي الجاسوس عائدا إلي بلاده، والتي لن يغادرها ابدا، بعد ان طردته مصر، باعتباره دبلوماسيا غير مرغوب في وجوده علي اراضيها. جاسوس احترق ستتم احالته فورا إلي التقاعد. استغل عمله علي أرض مصر للتخابر، بدلا من بذل الجهود لتحقيق التقارب المصري الايراني، بعد ان فتحت مصر الثورة صفحة جديدة مع ايران بكل الصدق والصراحة. لن تتوقف بلاد الدنيا عن التجسس ضد بعضها، ولكن ملابسات هذه القضية تؤكد لنا جميعا.. نعم صفحة جديدة.. ولكن.. مصلحة مصر العليا فوق كل اعتبار.