هذا اقتراح من حصيلة حوارات شتي سبق وأجريتها، ومنها ما لم يكن بغرض النشر، أعود اليوم بصياغة لبعض منها وأتقدم بها لإحدي جلسات الحوار الوطني الذي شرفت بدعوة إليه.. هذا بينما أترحم علي أهم أطرافها، ذلك الذي عرف بجلاء بصيرته ونفاذ فكره وكأنما كان يري ويقرأ حاضرنا اليوم مخطوطا أمامه بنحو ما نعيشه الآن: أنه المفكر السياسي المغفور له د. سعيد النجار. لا يخفي علي أحد هذا التوجس والقلق الذي بلغ المدي بيننا كمواطنين ذوي نزعات ليبرالية.. جموع مواطنين مصريين وسطيين من ذوي السماحة، مسلمين ومسيحيين ومتفتحين علي الدنيا وأصبحنا ننظر الآن لما حولنا ونجفل.. والبلاد تسير إلي معترك واقع من تحديات جسام إلي الحد الذي نري فيه أن إزاحة النظام السابق هو الجزء الأسهل من الثورة، بينما الأصعب والأهم والأخطر هو ما يجري ويعد له الآن.. فإن إرساء أسس حكم البلاد والوصول بها وبنا إلي المرفأ الآمن لمهمة صعبة، فليس أمامنا غير شهور معدودة لا نعلم إلي أين تقودنا، وأين ترسو بنا سفينة الحكم، وتحسم مصير هذه الأمة ربما علي مدي مستقبل ممتد.. وبداية، نحن نعلم أن المصريين جميعا بتكوينهم التاريخي يهفون إلي الإيمان.. وأن الدين علي مر التاريخ يمثل ركنا ركينا في الحياة اليومية.. ولأن المصري بالطبيعة والبيئة وبالجينات هو وسطي في أموره بلا شطط، وغير مغال في حياته وتدينه مسلما كان أم مسيحيا، تجده ينفر من التزمت والتشدد والتحكم بالخصوص تحت حجاب الدين و... بينما نرصد العنف ونرفضه، والأيادي التي تدمر وتجور فيما ليس لها ولا شأنها، وتزامن هذا مع ظاهرة الإسلام السياسي وبدء اشتغاله بالسياسة، من هنا مرجع القلق ومصدر الريبة والتوجس خصوصا ونحن لا نعرف من ذا الذي سيضع الدستور الجديد بعد الانتخابات التي نجري إليها مسرعين بلا دواع ملحة.. من هنا نحن في أشد الاحتياج »لضمانات« مبدئية تطمئن طالما تعذر تأجيل الانتخابات.. من حق هذه الأمة أن تضمن بعض المبادئ الأساسية تدرج في الدستور وقد لا يحققها من تسفر عنهم الانتخابات القادمة التي تقوم باختيار من يضعوا الدستور... ضمانات تكفل لهذا الشعب الوسطي السمح المنفتح أن يبقي علي معالمه الأساسية كائنا من سيحكم البلاد من خلال صندوق الانتخاب... ضمانات في ميثاق وطني ملزم لكل القوي التي تريد المشاركة في الحياة السياسية، ويقوم علي عدة مبادئ أساسية: (المبدأ الأول): لا يجوز لأي حزب أن يتضمن برنامجه ما قد يؤدي بنحو ما إلي جور علي الديمقراطية، ونص علي مبدأ التعددية الفكرية والحزبية. بمعني أن يكون من حق المصريين جميعا إنشاء أحزاب ليبرالية أو علمانية بدون تكفير لأحد.. والمساواة بين جميع المصريين أمام القانون بغض النظر عن الدين أو الجنس أي رجل كان أم امرأة.. وينص في هذا الميثاق الملزم علي حق المرأة الاشتغال بالحياة العامة والسياسية. (المبدأ الثاني): إقرار جميع القوي السياسية التي تعمل في إطار الشرعية الدستورية ان تلتزم وتحترم مبادئ الإعلام العالمي لحقوق الإنسان، وكل ما ينطوي عليه من مبادئ وما ينتج عنه من مواثيق دولية علما بأن التفسير المستنير للإسلام لا يتعارض وحقوق الإنسان الأساسية. (المبدأ الثالث): التفرقة بين ما هو قاعدة دستورية، وما هو قاعدة حزبية.. فالدستور يتسع للمصريين جميعا بمعني أن يخلو من أي ما يؤدي لحرمان بعض المصريين من حقوقهم بسبب الدين. (المبدأ الرابع): الالتزام في هذا الميثاق الوطني بمعني »الأغلبية« وفق المفهوم الديمقراطي، بمعني الأغلبية في النظم الديمقراطية، سواء أغلبية دينية أم عرقية لا تعني أن تدوس مصالح غيرها أو حقوقه لمجرد أنهم أقلية.. فالأغلبية في الديمقراطية هي »أغلبية رأي« بغض النظر عن الدين أو الجنس رجلا أو امرأة. (المبدأ الخامس): أن يكون الهدف الأول الذي ينبغي يحكم التوجهات السياسية هو القضاء علي الفقر والتخلف.. بعودة إلي نقطة البدء التي أثرناها هنا وهي الوسطية ودخول الإسلام السياسي إلي الحياة السياسية، الالتزام أو عدم الالتزام مقدما بهذه المبادئ مثله مثل بقية الأحزاب هو المحك، اما نستطيع أن نطمئن في هذه الحالة إلي النهج المشتغل منه في السياسة سيكون أقرب الأحزاب الديمقراطية المسيحية في أوروبا، حيث للدين اعتباره من حيث الأخلاقيات والعبادات فحسب.. فإذا رفض كحزب أو كتنظيم أو كجماعة أن يلتزم بهذه المبادئ أو بعضها، سيكون عليه أن يحدد ما يعترض عليه.. لأن واجبه أن يعرض وجهته علي وجه التحديد، لأن التوجه للديمقراطية ليس مجرد إعلان ولا فض كلام، ولا يكفي أن يقال في المجمل أن الإسلام هو الحل، لأن للإسلام تفسيرات متباينة وأحيانا متعارضة.. منها ما يتفق أو لا يتعارض مع تيارات التقدم والديمقراطية المتعارف عليها، ومنها اجتهادات تؤدي إلي الرجوع لألف سنة. من هنا أهمية الفرز بين العناصر المعتدلة من المتطرفة، العناصر التي تريد أن تعمل حقا في إطار الشرعية والديمقراطية، ومن تضمر غير ذلك.. هنا أهمية طرح موضوع هذا الميثاق للتوصل إلي اتفاق وطني ملزم مبادئه تدرج في بنود الدستور الجديد.. هذا الميثاق الملزم كفيل بالكشف عن مكنون النوايا، ومن لديه برنامج، ومن في حالة إفلاس فكري، ومن مع الديمقراطية حقا، ومن ليس معها قلبا ولا عقلا.