غريب أمر النخبة المصرية تتعامل مع شعبية الرئيس كما لوكانت هدفا أسمي منفصلا بذاته.. تتعامل مع تلك الشعبية وتجزم أنها تراجعت دون أن تقدم لنا معاييرها العلمية لتقييم مستوي الشعبية صعودا وهبوطا، ولكن الشيء غير المدهش أن غالبية رموز تلك النخبة قد بنت شعبية شخصية دون أي إنجاز أو أي عمل حقيقي أو أي مهنة تعرف لهم، ومن هذا المنطلق الوهمي يتعاملون مع المنصب الرئاسي. تخيل لو أن الطبيب استجاب لآلام وشكوي مريضه فقرر أن يداويه بأمصال الوهم التي لن تشفيه أبدا وإن ساهمت في راحته الوهمية لفترة وجيزة ستنكشف بعدها حالة الخداع التي مورست عليه باحتراف ووجدت من يساندها باستخدام معايير زئبقية لقياس نجاح هذا الطبيب. النخبة المتفرغة لتقييم الجميع إلا نفسها باتت تستخدم فزاعة الشعبية بوعي وبغير وعي ظنا أنها قادرة علي خلق مناخ ضاغط حول المنصب الرئاسي لصناعة رئيس منشغل بشعبيته ونجوميته علي حساب الإنجاز الحقيقي ولا يمنع أن يمتلك موهبة الخطابة والأداء التمثيلي الذي يلهب حماس الجماهير ويساهم في تغييب عقولهم. تخيل أنها نفس النخبة التي كانت تروج أن الدولة تستخدم الإخوان كفزاعة لتبرير دكتاتوريتها، ولما صار ماصار من حكم التنظيم العصابي للبلاد اختفت تلك النخبة وتركت جمهورها المنخدع يواجه مصيره منفردا.. والآن عادت لسيرتها الأولي في الاستمتاع بممارسة الخداع والانخداع. أكاد أجزم أن تلك النخبة العاجزة عن تقديم أي مقياس للشعبية هي عاجزة أيضا عن تقديم أي معيار للإنجاز، أكاد أجزم أن أحدا منهم مدرك لحجم ماتم علي الصعيد الدولي لاستعادة مكانة مصر وكسر عزلتها والاستماع لمنطقها، أكاد أجزم إن كانت تلك النخبة تدرك حجم التحديات الأمنية وحجم الإنجاز الأمني وحجم التضحيات. لا أدري كيف يتحدثون عن الشعبية وهم لا يدركون معياراً لها ولا معياراً للانجاز ؟! إذن الحديث هنا عن شعبية انتقائية وعن رئيس بالمزاج يمكن استخدام سلطته وفرض مسارات عليه لتحقيق مصالح لوبي من رجال الأعمال وكبار الموظفين وحوارييهم من الإعلاميين ممن يحملون أسفارهم لمحاصرة الرئيس، أو شعبية استنساخية تفرض علي الرئيس محاولة تكرار كاريزما تاريخية دون إدراك لتغير ظرف الزمان والمكان، وفي الحالتين لا تجد مكانا لمصلحة المواطن إلا في عقل الرئيس. تلك النخبة احترفت إدارة الفزع كما احترفت تصنيع الآلهة والكاريزمات الأسطورية وعبادتها والالتفاف حولها، وتبرير فشلها وإخفاقاتها، ليس ايمانا خالصا بما تمثله تلك الكاريزمات من قيمة فكرية بل بما تمثله تلك الكاريزما من حالة تعويض لفشل وكسل هذه النخبة التي لم يعد هناك أي قيمة حقيقية لاطلالها علي الجمهور سوي استمرارها في محاولة الدفاع عن نموذجها الوهمي للشعبية، إنها حالة نفسية سياسية تستوجب التوقف بالتحليل النفسي لتلك النخبة التي ترسم نموذجا لشعبية الرؤساء منفصلا عن واقعها وظروفها المحيطة، كما أنه منفصل عن تفاصيل السلوك السياسي والشخصي لأعضاء تلك النخبة التي راحت تُمارس تطورات الحياة التي انعكست عليها ماديا ومعنويا بينما تطالب الرئيس بأن يكون حبيسا لتصورات شعبوية لم يعد لها مكان إلا في كتب التاريخ.