أصعب اللحظات تلك التي ينتظر فيها المرء نتيجة اختباره، في الامتحان أو في مسابقة، أو في اختبار أي اختبار، كنت واحدة ممن حضروا حفل اعلان جوائز البوكر هذا العام في مدينة أبو ظبي في إطار معرض الكتاب الدولي هناك، لن أنسي ما حييت عيون المبدعين الذين وصلت رواياتهم إلي القائمة القصيرة للجائزة، عيون عالقة وقلوب واجفة، كان من بين هؤلاء المبدعين روائي صامت لا يتحدث مع أحد حاملا حلمه في صمت دون التفوه بأي كلمة مع الإعلاميين أو الصحفيين الذين امتلأت بهم قاعة الاحتفالية، كان الروائي العراقي سعد محمد رحيم صاحب رواية مقتل بائع الكتب، ولا اخفي سرا ،لا أعرف لماذا كنت متعاطفة مع عنوان هذه الرواية بالذات؟!، ليس لدي سبب واضح غير عنوانها، الذي لفت نظري للوهلة الأولي ،ربما لا تكون هي الأفضل، ولكن كان بداخلي جزء متعاطف مع هذا البائع للكتب الذي قتل!، كان لدي رغبة شديدة لقراءة هذا العمل بشكل خاص، ظلت هذه الرغبة ساكنة بداخلي إلي ان وقعت الرواية بين يدي وعرفت أنها تروي حكاية صحافي متمرّس يدفعه الفضول يدعي »ماجد بغدادي« إلي مدينة بعقوبة (60 كم شمال بغداد)، في مهمة استقصائية، تمتد لشهرين، كلّف بها من قبل شخص ثري لا يعرف أحد عن هويته شيئا. كان الاتفاق يقتضي من الصحافي تأليف كتاب يكشف فيه أسرار حياة بائع كتب ورسّام اسمه «محمود المرزوق»، في السبعين من عمره، وملابسات مقتله. يعقد الصحافي علاقات مع معارف الراحل وأصدقائه، ويعثر علي دفتر دوّن فيه المرزوق بعض يومياته، التي تؤرخ لحياة المدينة منذ اليوم الأول للغزو الأمريكي واحتلال العراق، كما يعثر علي رسائل بينه وبين امرأة فرنسية تعمل (موديلا) للرسّامين اسمها «جانيت» كانت تربطه بها علاقة حميمة خلال فترة لجوئه إلي باريس. من هذه المصادر والقصّاصات وغيرها تتكشّف شخصية المرزوق وتظهر فصول من حياته المثيرة غير المستقرة، وعلاقاته وصداقاته مع النساء والرجال، وتجربته السياسية في العراق، ومن ثم في تشيكوسلوفاكيا، وهروبه منها إلي فرنسا. وما سيبقي مبهمًا هو سبب قتله ؟!، تلك الرواية بقيت طويلا في ذاكرتي من بين روايات الجوائز التي جاءت تكشف واقعنا العربي في عيون المبدعين الذين يمثلون عيون الكاميرا الحساسة التي تلتقط صورا للحياة والواقع الذي نعيش فيه من وجهة نظر مغايرة أو كاشفة بعضنا يراها وبعضنا لا يراها رغم وضوحها، هي رواية فارقة، أحببت أن أكتب عنها بعين القارئة المهتمة بالقراءة، التي رأت الحزن في عيون صاحب الرواية البطل الحقيقي في المشهد، وهو يحتض قضية بلاده في صمت!