الرسول لم يكن شاعرا وهذا أمر واضح جاء به القران، يعلن علي العالم ان الرسول ليس من الشعر وليس الشعر منه في شيء بل انه قد سما به فوق رتبة الشعراء كما في الآية الكريمة ( وما علمناه الشعر وما ينبغي له ،ان هو إلا ذكر وقرآن مبين. لينذر من كان حيا ويحق القول علي الكافرين) كان موقف النبي صلي الله عليه وسلم من الشعر يتصف بالحكمة...وهو موقف الداعية أيضا الذي يزن الأشياء ويقيس الأمور بميزان ما جاء به من الهداية والخير. وهو في الوقت نفسه يظهر التقدير لهذا الفن حول الشعر في الإسلام، وتأثيره علي الحياة وقيمته الإنسانية جاءت دراسة الشاعر أحمد سويلم في كتابه الجديد » الرسول والشعراء . في وقت كثرت فيه الدعاوي الجاهلة التي تجعل من الاسلام دينا يتجاهل المشاعر الانسانية وتصدر صورة خاطئة عن موقفه من الفنون والأدب والابداع وخاصة الشعر متجاهلة أن العرب قوم عرفوا بالشعر والخيال والبلاغة.. وكان القرآن اعجازا امام أعينهم حيث قدم نمطا خاصا تحدي به بلاغتهم وخيالهم. يقول سويلم: »أن الشعر فن من فنون الانسان صاحبه من المهد إلي اللحد.. والرسول انسان عربي تربي علي الثقافة العربية التي تؤكد أن الشعر ديوان العرب وسجل أحداثهم». ومن ثم يقدم الشاعر أحمد سويلم في هذه الدراسة رؤية تحليلية تاريخية وفنية لموقف الاسلام من الشعر..ويؤكد ان الاسلام لم يكن له موقف معاد من الشعر وانما كان موقفه من الشعراء أنفسهم خاصة الذين ( يقولون مالا يفعلون ) وينافقون ويتكسبون بأشعارهم ويحطون من قدر هذا الفن الجميل. تبدأ الدراسة بعلاقة الرسول الكريم بالشعر..وكيف كانت تهدهده أخته الشيماء في بادية بني سعد وهو طفل صغير بما عرف بفن ترقيص الأطفال بقولها : يا ربنا ابق لنا محمدا حتي يكون يافعا وأمردا ثم حينما صار فتي كان يحضر سوق عكاظ حيث كان الشعراء يتبارون بأشعارهم. وها هو تبلغه تلك الأشعار التي قالها عمه أبو طالب وهو يناصره علي أعدائه..وكذا ما أنشده ورقة بن نوفل عم السيدة خديجة وهو يبشر به رسولا بعد ان ابلغته بما حدث له..وكان صلي الله عليه وسلم يحب أن يستمع إلي شعر عنترة ويتمني لو كان رآه.. ومعه وفود العرب تأتيه من كل مكان يعلنون اسلامهم ويتقدمهم الشعراء بقصائدهم.. ليقول الرسول: ان من الشعر لحكمة. ثم يسجل التاريخ هذا المشهد الرائع حين يقبل الشاعر كعب بن زهير علي الرسول ليعلن اسلامه وينشده قصيدته الشهيرة بادئا بالغزل كما اعتاد الشعراء: »بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيم اثرها لم يفد مكبول» فيقبل الرسول اسلامه بعد ان يستحسن قصيدته ولم يعترض علي بدايتها الغزلية. وها هو عليه السلام ينصت إلي الخنساء وهي تنشده أشعارها ويقول مداعبا: هيه يا خناس تقدم الدراسة ثلاثة أنماط من الشعراء: اولهم الشعراء المخضرمون الذين عبروا الجاهلية إلي الاسلام.. وكيف عبر معهم شعرهم وتطور واكتسب معاني الاسلام وفي مقدمتهم لبيد بن ربيعة.. والنمط الثاني شعراء أطلق عليهم :(شعراء الدعوة الاسلامية) وهؤلاء وقفوا بحزم وايمان إلي جانب الدعوة الاسلامية يدافعون عنها ويردون علي هجاء المشركين..ويحضون الناس علي الاسلام وهم : حسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة وكان الرسول يشجعهم علي ذلك ويقيم لحسان منبرا في المسجد ينشد من فوقه قصائده..ويقول له :اهجهم ومعك روح القدس.ثم يأتي دور شعراء الفتوح والغزوات.. كما تقدم الدراسة بعضا من الاشعار التي قيلت من المسلمين والمشركين في غزوتي بدر وأحد في صورة قصائد طويلة او مقطوعات قصيرة تماثل ما نطلق عليه اليوم (الأناشيد الوطنية). ثم تطوف الدراسة ايضا بشعر الصحابة وها هو علي بن ابي طالب الذي كان اول من امن من الصبيان..يقول الشعر ويشجعه الرسول علي ذلك.. كما تذكر كتب السيرة أشعارا قليلة لأبي بكر وعمر وغيرهما من الصحابة. وايضا اشعارا للصحابيات..وكيف كان الرسول يتقبل ذلك كله بتذوق العربي الذي ينتمي إلي هذه البيئة الشاعرة..