حادث الإسكندرية المريع ليلة رأس السنة الميلادية الجديدة هز الأمة من الأعماق .. وكان تقديم العزاء لإخواننا الأقباط بهذا الحادث الجلل أكبر إشارة علي وحدة مشاعر الأمة في السراء والضراء .. لقد أثبت المسلمون الأنقياء بوقفتهم الرائعة صفا واحدا مع إخوانهم المسيحيين أنهم ضد هذا العمل الجبان الغادر وأنهم ضد الإرهاب بكافة أشكاله .. فنحن جميعا مسلمون وأقباط .. مصريون نعيش في وطن واحد .. يخطئ كثيرا من يتصور بأن الأقباط هم المستهدفون فقط بالإعتداء .. ويخطئ من يعتقد بأن من يقف وراء هذا العنف المجنون الذي يضرب الكنائس ودور العبادة هم المسلمون .. يخطئ في الحالتين لأن من يقف وراء هذه الغايات والأفعال المشينة يريد أن يجرنا فعلا إلي مثل هذه الإستنتاجات أو أن يدخلنا في معمعات "الفتنة" وصراعات المذاهب والطوائف والأديان هذه التي أجهزت علي أمتنا وأضعفت مجتمعاتنا وسمحت "للآخرين" بالاستقواء علينا والتعامل معنا بمنطق الغرور والإستهانة.. موجبات الحذر لا تقتصر فقط علي مخاوف الإنجرار لمقاصد الفاعلين أوالوقوع في شرك أهدافهم .. وإنما لأن التصورات والمعتقدات التي ذكرناها ليست صحيحة أيضا .. فالذين إستهدفوا كنيسة النجاة في بغداد أو كنيسة القديسين في الإسكندرية .. كان هدفهم الأول ضرب العراق وضرب مصر .. الأوطان ولسيت الطوائف .. الناس والمجتمع وليس أتباع الديانة .. ومثلما ضربت الكنائس بالمتفجرات ضربت أيضا المساجد وضربت أيضا المرافق العامة والمراكز الأمنية بل والناس المارون في الشوارع .. حدث هذا في مصر ويحدث يوميا في معظم الدول من حولنا.. أما الذين يقفون وراء هذا الإرهاب الأعمي فلا علاقة لهم بالإسلام ولا بالأديان ولا بالإنسانية أصلا .. قد ينتمون إلي الإسلام لكنهم مجرد أدوات.. وكان يمكن أن ينتموا إلي أي دين آخر .. فلا يجوز أن نحسبهم عليه أو أن نستخدمهم كذريعة لزراعة "مقولات" الإساءة إليه. إن أسوأ ما يمكن أن نتصوره هو أن ثمة صراعا بين المسلمين وإخوانهم الأقباط .. أو أن هذه الحوادث المرفوضة تعبر عن حالة هذا الصراع أو تكشفه .. فهذا غير صحيح .. وإن كان ثمة من يروج له في الداخل والخارج .. ومن يريد أن يقنعنا بأن معركتنا "داخلية" .. لأن الصراع الحقيقي هو بين أمتنا بكل ما فيها من طوائف وأديان وأعراق وبين أعدائها والمتربصين بها والوالغين في دمها والعابثين بوحدتها وإستقرارها.. وبالتالي فإن صمود القبطي ودفاعه عن نفسه هو واجب وطني كما هو صمود المسلم تماما.. ولا يجوز بحال أن يتصور القبطي أنه ضحية أو مهدد بالطرد أو مستهدف.. أو أن له حقوقا منقوصة يجب مقايضتها بذريعة هذا الإستهداف.. لأن مثل هذا المنطق في التعامل وخلط الأوراق والمبالغة في إستغلال الحدث سيضعنا جميعا .. مسلمين وأقباطا.. في المصيدة.. وسيحول بوصلتنا من دائرة مواجهة الإستهداف وإبطال فاعليه إلي دائرة إبتلاع الطعم وما تنتهي إليه في العادة صراعات "الضحايا" من تضحيات مؤسفة وأوهام غير مبررة.. مطلوب من إخواننا الأقباط الذين سكنوا هذه البلاد وعمّروها قبلنا أن يذهبوا معنا إلي العنوان الصحيح الذي إنطلقت منه قنابل الموت والغدر وأن يتجاوزوا محنة الدم.. وإمتحان الحزن بنجاح.. لكي يقفوا مع إخوانهم المسلمين الذين تستهدفهم هذه المجازر.. صفا واحدا في وجه من يريد أن يطردنا جميعا مسلمين وأقباطا من هذه الأرض المباركة.. فلننتبه إلي ثغورها ونحصنها.. وإلي أبوابها لنسدها أمام ما قد يأتي من رياح.!