حالة من التفاؤل سيطرت علي المصريين طوال الايام الماضية املا في انخفاض الاسعار وعودة الرشد والاستقرار للأسواق من جديد، خاصة بعد الانخفاض الملحوظ في قيمة الدولار مقابل الجنيه المصري والتي ظلت تتناقص حتي وصل سعر الدولار في البنوك الي 15.75 قبل أن يعاود الصعود مرة أخري ليصل إلي 17٫77 ووصلت حالة التفاؤل عند عدد كبير من الخبراء والمسئولين الي توقع استمرار انخفاض قيمة العملة الاجنبية بعد القرارات الاقتصادية الاخيرة وكان من اهمها تحرير سعر صرف الجنيه.. لكن الاسبوع الماضي تبخرت هذه الاحلام بعد عودة »الكر والفر» مرة أخري بين الدولار والجنيه وظهور السوق السوداء من جديد بسبب ارتفاع الطلب علي العملة الصعبة، وعدم قيام البنوك المصرية بتوفير الدولار لجميع العملاء وبالكميات المطلوبة، ليصل الفارق بين السعر الرسمي للدولار في البنوك ونظيره في السوق السوداء لأكثر من جنيهان للدولار الواحد. في البداية يؤكد د.شريف الدمرداش أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة أن السبب الرئيسي في عودة السوق السوداء للظهور مرة أخري أن هناك الكثير من المستوردين الذين يسعون لفتح اعتمادات بنكية للحصول علي الدولار من البنك المركزي بالسعر الرسمي ولكن أمام عجز البنوك عن توفير احتياجاتهم فإنهم يجدون صعوبة في الحصول علي الدولار وبالتالي يلجأون إلي الحصول عليه من السوق السوداء حتي وإن كان بسعر أعلي من القنوات الشرعية حتي يستطيعوا استيراد السلع المتعاقد عليها .. وبالتالي بدأت السوق السوداء في الظهور مرة أخري علي الرغم من أن أهم أهداف تعويم الجنيه هو القضاء علي السوق الموازية . ويضيف إن هناك تخوفا من ظهور السوق السوداء مرة أخري و ارتفاع سعر الدولار بها سيكون مقدمة لارتفاعه مرة أخري في السوق الرسمية خاصة أن البعض يري إن البنك المركزي قام بنفس »لعبة» شركات الصرافة والتي تقوم بشراء الدولار بسعر منخفض ليتم تخزينه وبعد ذلك يتم بيعه بسعر أعلي .. مشيراً إلي أن الانخفاض الذي شهده سعر الدولار خلال الفترة الماضية كان هدفه تحصيل أكبر قدر ممكن من الحصيلة الدولارية ولا يشير إلي تغيير حقيقي في الوضع الاقتصادي كما يدعي البعض نتيجة زيادة حركة الصادرات وقلة الواردات لأن هذه التغييرات لايمكن أن تؤدي إلي انخفاض الدولار بين يوم وليلة .. ولكن تحتاج إلي وقت طويل نسبياً حتي يمكن القول إنها أحد الأسباب الأساسية في انخفاض سعر الدولار. ويستكمل الدمرداش أنه بعد قيام الكثير من المستوردين باللجوء إلي السوق السوداء للحصول علي الدولارات من المتوقع أن يقوم البنك المركزي بعد أسبوعين من الآن بتوفير العملة الخضراء بعد ارتفاع سعره مرة أخري ليصل إلي 18 جنيهاً بعد أن قام بشرائه ب 15.5 جينه وبالتالي يكون حقق مكسباً .. مؤكداً أن عودة السوق السوداء لن يكون لها تأثير ملحوظ علي ارتفاع الأسعار خلال الفترة القادمة لأن الأسعار الموجودة حالياً في السوق تم تحديدها علي سعر صرف الدولار من 18 إلي 19 جنيهاً وبالتالي لن يكون هناك زيادة ملحوظة .. ولكن من غير المتوقع ان تشهد ايضاً أي انخفاض. تجار العملة ويري د. مختار الشريف الخبير الإقتصادي أنه في الوضع الحالي لايمكن أن نقول إن السوق السوداء عادت مرة أخري ولكن يمكن القول إن هناك زيادة في أعداد تجار العملة والذين يلجأ اليهم بعض المستوردين للحصول علي الدولار الذي لم يستطيعوا الحصول عليه بالطرق الشرعية .. مشيراً إلي أن البنك المركزي لا يمتنع عن فتح إعتمادات جديدة للمستوردين أو يرفض إمدادهم بالدولارات اللازمة لعملية الإستيراد .. ولكن مايحدث أن الحكومة حددت مجموعة من السلع والتي سيتم توفير الدولار حتي يتم استيرادها.. وبالتالي فإن المستوردين الذين يلجأون إلي شراء الدولار من تجار العملة هم الذين يعتمدون إستيراد مايطلق عليها »السلع الاستفزازية» والتي تصنف خارج جدول السلع الذي حددته الحكومة من قبل.. وبالتالي يمكن أن تشهد هذه النوعية من السلع زيادة في أسعارها خلال الفترات القادمة نتيجة شراء المستورد الدولار من تجار العملة بسعر أعلي من السعر الذي يتم إعلانه في البنك المركزي. ويقول الدكتور فرج عبد الفتاح، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، انه لاشك ان هناك أيدي خفية تعبث في الاقتصاد المصري، ويظهر العبث بوضوح عندما نتحدث عن الاسعار المختلفة للدولار في البنوك و السوق السوداء، ومن الضروري أن يتم السيطرة والقضاء علي السوق السوداء للعملة في مصر وان يتم محاربتها بشكل علمي سليم ،عن طريق زيادة الرقابة الصارمة علي تجارة العملة بالإضافة الي اتخاذ عدد من الإجراءات الحازمة والصارمة ضد كبار التجار والمضاربين علي العملة الأجنبية، وبذلك سيتحقق نوع من الاستقرار في سوق صرف الدولار الأمريكي في مصر، مضيفاً أن الفجوة السعرية بين الدولار والجنيه لن تستمر فترة طويلة وبالتالي لن تؤدي الي أي زيادة في اسعار السلع والخدمات. قيود شديدة اما الدكتور فؤاد شاكر، رئيس اتحاد المصارف العربية سابقا فأرجع التذبذب في سعر الدولار في السوق السوداء إلي الفتره المؤقتة التي يمر بها الاقتصاد المصري ولن تزيد علي سنة، والسبب في ذلك ان البنوك منذ تحرير سعر صرف الجنيه تفرض قيودا شديدة علي عملية بيع الدولار إلا في الاحتياجات الأساسية وعدم حصول التجار والمستوردين علي الدولارات التي يحتاجونها من البنوك مما يضطرهم للتعامل مع السوق السوداء للحصول علي الكميات المطلوبة من الدولار لأعمالهم.. وأكد شاكر ان البنوك مضطرة لرفع أسعارها من جديد من أجل توحيد سعر العملة الأجنبية في السوق، هذا بالإضافة الي وجود احتمالية لزيادة اسعار بعض السلع لفترة مؤقتة حتي ضبط السوق السوداء من جديد. وأضاف أن السوق السوداء لن تنضبط إلاعن طريق قيام الحكومة بجذب الدولار من المصريين بالخارج عن طريق شراء البنوك الدولار منهم بسعر أعلي من السعر المتداول، وايضا يجب ان تقوم الحكومة بالتيسير علي المستثمرين السياحيين، وتيسير إجراءات الاستثمار لجذب مشروعات جديدة وبالتالي توفير عملة صعبة حقيقية، بالإضافة الي دعم قطاع السياحة من خلال حملات ترويجية بالخارج للمعالم المصرية، ويجب فتح البنوك باب بيع الدولار وعدم الاكتفاء بالشراء فقط. إجراءات سريعة اما د. مصطفي شاهين خبير الاقتصاد الدولي ومدرس الاقتصاد بجامعة اوكلاند الامريكية فيطالب الحكومة، والبنك المركزي، باتخاذ اجراءات سريعة للحد من السوق السوداء للدولار، قبل توحشها من جديد، بعد أن اختفت منذ اتخاذ البنك المركزي قرارا بتحرير سعر الصرف، في 3 نوفمبر 2016. وقال، إنه بعد هبوط الدولار أمام الجنيه، ليلامس مستوي ال 15 جنيها، بعد عدة انخفاضات متتالية علي مدار أسابيع، عاد الحديث عن ارتفاع الدولار مرة أخري بالسوق السوداء، رغم انخفاضه بالبنوك. محذرا من لجوء المستثمرين قبل شهر رمضان المقبل والعيد، الي السوق السوداء لتوفير احتياجاتهم من العملة الأمريكية، لتنفيذ عمليات استيراد كبيرة، مما يزيد الطلب علي الدولار ويرفع سعره، وهنا تعود السوق السوداء كلاعب أساسي في تحديد سعر العملة.. واقترح د.مصطفي شاهين 10 حلول لمنع عودة السوق السوداء، منها الاعتماد علي مدخلات إنتاج محلية، لتلبية احتياجات الصناعة المصرية، دون الحاجة للاستيراد من الخارج بالعملة الصعبة، وعمل مواصفات قياسية، للمصانع المصرية، طبقا للجودة العالمية من أجل فتح أسواق خارجية لمنتجاتنا، مع هيكلة ودعم مكاتب التمثيل التجاري بالخارج للقيام بدورها الأساسي في دعم التجارة الخارجية وزيادة الصادرات، وزيادة الفائدة علي المدخرات بالدولار، مع تغير سعر الصرف علي فترات طبقا للظروف الاقتصادية. كما اقترح فتح فروع للبنوك المصرية بالخارج خاصة في دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا، من أجل تشجيع المصريين بالخارج علي تحويل العملات الأجنبية لمصر، والاستثمار فيها، مع تقليل الطلب علي العملة الأجنبية، من خلال التعامل بالجنيه في التعاملات الدولية ما أمكن، وإقرار ضوابط مغلظة علي الاستيراد العشوائي، أو السلع الاستفزازية، كأكل القطط والكلاب، وخلافه، من ألعاب الأطفال وفوانيس رمضان و»السبح» والسجاد وغيرها. وأكد ضرورة قيام الحكومة بجذب الدولار من المصريين بالخارج، من خلال تيسير حصولهم علي أراضي وتراخيص المشروعات، أو أن تشتري الحكومة وبنوكها الدولار منهم بسعر أعلي من المتداول، فضلا عن دعم قطاع السياحة من خلال حملات ترويجية بالخارج للمعالم المصرية، والتيسير علي المستثمرين السياحيين، وتيسير الائتمان الممنوح لهم، وتيسير إجراءات الاستثمار لجذب مشروعات جديدة وبالتالي توفير عملة صعبة، ويجب فتح البنوك باب بيع الدولار، وعدم الاكتفاء فقط بالشراء.