بعد الاطاحة بنظام الشاه محمد رضا بهلوي عام 1979، وعد الزعيم الديني آية الله الخميني الايرانيين بانتهاء كل أشكال القمع والقهر التي عانوا منها علي أيدي زبانية الحكم الامبراطوري وجهاز أمن الدولة الايراني الرهيب المعروف باسم "السافاك". ولسنوات طوال، ظل الخميني يتحدث للشعب الايراني عن جنة الله في الارض التي سيتمتعون بها في ظل نظام الحكم الديني الثيوقراطي الذي أقامه في البلاد. وصدق الكثيرون وعود ثورة الخميني رغم أن طابعها الدموي ظهر بوضوح منذ البداية. وتوالت "الاعدامات الثورية" التي نفذها آيات الله ضد كل من خالفهم في الرأي بما في ذلك أبناء الثورة أنفسهم ومن ناضلوا لسنوات طوال ضد طغيان النظام الشاهنشاهي من أمثال أبو الحسن بني صدر سكرتير الخميني في المنفي وأول رئيس منتخب في إيران بعد الثورة والذي اضطر للهروب من ايران متنكرا في هيئة امرأة بعد أن صدر الحكم بإعدامه كما تم إعدام الدكتور صادق قطب زاده أستاذ الاقتصاد البارز ووزير الخارجية في عهد الثورة بتهمة غريبة هي الفساد في الارض التي أعدم بسببها عشرات الالوف من أشرف الوطنيين الايرانيين!! وبعد مرور أكثر من 31 عاما علي الثورة الايرانية ما زالت وعود الخميني ورجاله لا تتحقق بل تحولت البلاد إلي جحيم حقيقي بسبب الانتهاكات المروعة لحقوق الانسان والاستبداد الذي تجاوز في وحشيته ديكتاتورية نظام الشاه.. وكشفت الحقوقية الايرانية، الحائزة علي جائزة نوبل عام 2003، شيرين عبادي بعض التفاصيل المروعة لما وصلت إليه معاناة شعب إيران. ففي حديث لوكالة أسوشيتد برس للانباء قالت عبادي إن أوضاع حقوق الانسان في بلادها وصلت إلي درجة المأساة بالاضافة إلي الفقر الذي ضاعف من معاناة الايرانيين. وقالت إن حقوق الانسان تتدهور من سييء إلي أسوأ. وضربت شيرين عبادي مثلا بقضية نسرين سوتوده المحامية والناشطة في مجال حقوق الانسان التي اعتقلت منذ سبتمبر الماضي بتهمة التحريض ضد نظام الحكم والدفاع عن المعارضين المعتقلين الذين احتجوا علي تزوير الانتخابات الرئاسية الايرانية الاخيرة.. وقد أضربت نسرين سوتوده عن الطعام منذ حوالي شهرين وقبل أيام أعلنت الاضراب الشامل وامتنعت عن تناول أي مشروبات مما أدي إلي تدهور خطير في صحتها. وعندما ذهب أفراد أسرتها لزيارتها في السجن وجدوها تحتضر وغير قادرة علي التحدث ووجهها مليء بالكدمات ويتوقع الاطباء ان تلفظ انفاسها بين لحظة واخري! تحدثت شيرين عبادي أيضا عن الصحفي الايراني عبد الرضا طاجيك المعتقل بتهمة إعداد تقارير عن انتهاكات حقوق الانسان في إيران وقالت إنه أجبر بعد القبض عليه علي الوقوف عاريا أمام المحققين وعندما اعترض علي ذلك تم ضربه بوحشية. وتقدمت شقيقته بشكوي للنائب العام الايراني حيث يتوقع الكثيرون أن تكون النتيجة الوحيدة لشكواها هي اعتقالها أيضا بتهمة الفساد في الارض!! باختصار ، لم يعد مسموحا لاي صوت معارض ان يرتفع ضد تجار الدين والطغاة الجدد في ايران الذين يزعمون ان تولي الحكم هو حقهم المقدس مهما بلغت درجة استبدادهم وفاشيتهم . واشد ما يثير الحزن ان الجنة التي وعد بها آيات الله شعب إيران تحولت إلي جحيم حقيقي.. وأصبحت مجرد جنة لشياطين الاغتيال وزبانية الاعتقال والتعذيب. هذا هو الدرس الذي يتعين أن تستوعبه كل الشعوب حتي لا تخدعها الوعود الكاذبة والكلمات المعسولة!!