إني علي يقين بأن مستقبل العالم ليس في يد الظلم والعنف والعدوان مهما تكاثفت الظلمات وبدت العدالة بعيدة المنال، ذلك لأن العالم يضج وشعوب الدنيا متعطشة للترقي والحضارة والسلام، ولذا ما تقوم به اسرائيل من تهويد لن يطمس معالم التاريخ العربي ولن تنسي الأجيال العربية القادمة ان القدس هي مدينة الصلاة ومهوي الضمائر والأفئدة، ولن يتاح للمعتدي والظالم والمحتل حياة سلام أو استقرار فليس بالسلاح يحيا الانسان، بل بالسلام والتعايش واحترام حقوق الآخر.. ويبدو أن عالمنا العربي لا يزال في مخاض عسير، لم يبلغ بعد إلي الحقيقة التاريخية والإنسانية الواضحة الموضوعية وهي أن الأحرار هم الذين يحرون أوطانهم ويبنون مستقبل ابنائهم، هذه الحقيقة هي أن الإنسان العربي لم يتحرر بعد من قيودكثيرة تعوق نهضتهم الشاملة، فهو لا يزال اشير القبلية أحياناً، والطائفية أحياناً أخري، وشهوة السلطة والثراء في أغلب الأحيان، لا يزال طيف الماضي وكبرياء التاريخ واستعلاء بالثروة ووهم امتلاك الحقائق المطلقة بل معاداة التقدم العلمي والحضارة الحديثة وفي الوقت ذاته التكالب علي لذاتها والاستغراق في مظاهرها دون ان يتمكن من المساهمة في صناعتها أو إدراك اسرارها واتقان قوانينها، كيف يحرر وطناً ابناء منقسمون بل ومتحاربون؟ إن تحرير القدس، وصد الاطماع عن تراثنا ومقدساتنا يبدأ بتحرير انفسنا، وتحرير الإنسان العربي من الخوف والجهل، إن العالم كافة يدرك الظلم الواقع علي القدس وفلسطين، ويلمس مدي قسوة الاحتلال وشروره وعدالة قضيتنا، ولكن ذلك كله لا يعني شيئا ان لم يكن اصحاب الوطن هم ركيزة عودة الحق لاصحابه ولن يتأتي ذلك الا إذا حررنا الانسان العربي في وطنه وحررنا العقل العربي من ظلمة تحيط به، وحررنا الوجدان العربي من بقايا الطائفية والقبلية والمذهبية، إن الحاجة إلي إنسان عربي جديد، مؤمن بقضيته، إنساني النزعة والثقافة، عالمي الرؤية، واثق الخطوة نحو مستقبل لن يصل إليه إلا بالعلم والعدل.