وسط اجواء من الاضطرابات السياسية والثقافية ، وعدم وضوح للرؤية وسموات ملبدة بالغيوم النفسية يأتي الاحتفال باليوم العالمي للكتاب مثلما جاء في الاعوام السابقة ونحن غارقون في همومنا الحياتية دون الالتفات لقيمة الكتاب ودوره وأهميته في حياتنا غير مبالين بأن المعرفة هي السبيل الوحيد لإصلاح احوالنا وتغيير واقعنا ، فبدون القراءة لا نستطيع ادراك ما يحدث حولنا وحتما نفقد قدرتنا علي الاختيار ، ولن نستطيع وضع الامور في نصابها .. منذ ايام قليلة احتفلت اليونسكو باليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف تحت شعار " نحن نحتفل بقراءة الكتب " وبدأت احتفالها في مدينة بانكوك في تايلاند التي اختيرت عاصمة عالمية للكتاب ، ومن المعروف ان هذا الاحتفال يصادف ذكري وفاة وليم شكسبير وميجل دي سرفانتس صاحب " دون كخوتة .. إن اليونسكو تحتفل بالكتاب منذ عام 1995 تقديرا لقيمته وتأثيره في حياة الشعوب وتشجيع الناس علي القراءة والشباب علي وجه الخصوص ،. وتمثل هذه المناسبة فرصة سانحة للتفكير في السبل الكفيلة بتحسين نشر ثقافة النص المكتوب وبتمكين كل الأفراد رجالاً ونساءً وأطفالاً من الانتفاع بهذه الثقافة من خلال إتاحة تعلم القراءة وتقديم الدعم إلي مهن نشر المطبوعات ، وعندما اختيرت مدينة بانكوك عاصمة عالمية للكتاب كان اعترافا من العالم بأن لها برنامجا مميزا في تنمية القراءة لدي الشباب والفئات المحرومة . ومهما كانت اسباب اختيار بانكوك كعاصمة للكتاب فمما لاشك فيه ان كل العالم يتحرك من حولنا ونحن غارقون في قضايا وهمية لن تنقلنا الي هذه العوالم الرحبة من الفكر والثقافة إلا بالقراءة ولن نصل الي أي شاطئ من شطآن التنمية والرقي بدون المعرفة التي مصدرها الكتاب ،ولعل ما يزيد القراءة شرفا وقدرا أنها أول أمر إلهي جاء به الوحي الأمين للنبي الأمي خاتم الأنبياء والمرسلين ، وهذا برهان لا يقبل جدلا في أن القراءة تفوق كل شيء أهمية وقيمة في الحياة. وما يحزنني حقا ما اظهرته إحصائية منظمة التربية والثقافة والعلوم اليونسكو أن متوسط القراءة الحرة للطفل في العالم العربي لا يتجاوز ست دقائق في السنة مقابل 12 ألف دقيقة للطفل في العالم الغربي. كما أن نصيب مليون عربي من الكتب لا يتجاوز 30 كتاباً مقابل 584 كتاباً لكل مليون أوروبي ، كما تشير الإحصائيات إلي أن معدل ما يقرأه الفرد العربي في السنة هو ربع صفحة مقابل 11 كتاباً للفرد الأمريكي وسبعة كتب للفرد البريطاني. ومن ضمن المفارقات بين العالم العربي والعالم الغربي، أن عالمنا العربي يصدر نحو 1650 كتاباً سنوياً ، أما في دول الغرب، ولا سيما أمريكا وحدها ، فإنها تصدر ما يقارب 85 ألف كتاب سنوياً، الي متي نظل نتحسر علي وضعنا الثقافي ونصرخ من ارتفاع سعر الكتاب وضياع حقوق المؤلفين وضرب الحائط بقيمة الكتاب وأهميته في حياة الشعوب؟! أنني أؤمن بأن القراءة هي السبيل الوحيد لتغيير حالنا وبدونها سنظل نتخبط في متاهات الضياع.