بعد سنوات من الضغوط القانونية والسياسية والشعبية وافقت سلطات شيلي علي اعادة فتح التحقيقات في وفاة شاعر أمريكا اللاتينية الكبير بابلو نيرودا الذي رحل عن عالمنا في عام 3791 وأعلن النظام العسكري السابق أنه توفي عن 96 عاما متأثرا بمرض السرطان، في نفس الوقت، أكد رفاقه في النضال من أجل الحرية أن الحكم الديكتاتوري في شيلي اغتاله لإسكات صوته الرافض للطغيان والاستبداد. وقد بدأت بالفعل، قبل أيام اجراءات تشريح جثمان نيرودا تحت اشراف قضائي بهدف كشف حقيقة اغتيال هذا المناضل الذي أصبح اسطورة لكل الأحرار والشرفاء في جميع أنحاء العالم.. كان نيرودا شاعرا رومانسيا خجولا حتي التقي بصديق عمره الشاعر الكبير فيدريكو لوركا عام 3391 في الأرجنتين وجمعهما الاحساس بقهر العمال والفلاحين الفقراء وكراهية الظلم وعشق الكرامة الانسانية. ودفع لوركا صديقه نيرودا إلي أن ينذر حياته من أجل الكفاح ضد الديكتاتورية. وفي أغسطس 6391 تم اغتيال لوركا في غرناطة ومن يومها تسلم نيرودا راية الحرية. وارتفع صوته ضد الظلم والفاشية والديكتاتورية وفي احتفالية رثاء وصف نيرودا صديقه الراحل بأنه »سوسنة مضرجة في دمائها وقيثارة جريحة تحت التراب وقال ان اسم لوركا يختصر أسماء كل البسطاء والمستضعفين في الأرض. وصعد نيرودا من كفاحه ضد الظلم بكلمات أقسي من الرصاص، وكانت أشهر قصائده بعنوان »عشرون قصيدة حب وأغنية يائسة« والتي أوصلته إلي العالمية واستحق جائزة نوبل في الأدب عام 1791 ليصبح الشاعر اللاتيني الأكثر شهرة في القرن العشرين وعاد إلي شيلي ليحتفل به مواطنوه وفي مقدمتهم الرئيس سلفادور الليندي الذي أيده نيرودا بشدة لسياساته الاصلاحية وبرامجه لتحقيق العدالة الاجتماعية، وفي 11 سبتمبر 3791، دبرت وكالة المخابرات الأمريكية انقلابا ضد الدكتور الليندي بقيادة الجنرال بينوشيه وقتل الليندي في قصر الرئاسة. وخلال أيام سيطر العسكريون علي السلطة وكان لابد لهم أن يتخلصوا من صوت المحرومين والفقراء بابلو نيرودا. توجه جنود الطاغية إلي منزل نيرودا وعندما سألهم ماذا يريدون؟ قالوا أنهم جاءوا للبحث عن الأسلحة فقال لهم »إن الشعر هو سلاحي الوحيد«. وبعد 21 يوما من اغتيال الليندي، مات نيرودا في ظروف غامضة وكانت آخر كلماته هي .. لقد عادوا مرة أخري ليخونوا الوطن.. وأعلن النظام العسكري أنه توفي متأثرا بمرض السرطان بينما أكدت القوي الوطنية في شيلي أن النظام تخلص منه بحقنة محلول قاتل. وكتب شاعرنا الكبير صلاح جاهين مرثية لنيرودا بعنوان إلي اللقاء قال فيها: يا نيرودا إلي اللقاء.. قتلوك حقيقي ولا افتراء.. الشعر طول عمره تهمة غامضة.. وكل شاعر وله جزاء. وكتب الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم قصيدة بعنوان بابلو نيرودا قال فيها: عقد العقيق اللي اتبدر.. من عهد سقراط الحكيم زاد النهاردة وانتظم.. بالدرة والفص اليتيم.. نيرودا زمار الصباح.. نيرودا مزمار النسيم. ولم يتوقف اصرار الشرفاء والأحرار في كل مكان علي ضرورة كشف لغز وفاة نيرودا حتي سقط الديكتاتور بينوشيه من السلطة عام 0991 وتوفي عام 6002 ليصبح مضربا للأمثال في الاستبداد والطغيان وانتهاك حقوق الانسان. اعادة التحقيق في وفاة نيرودا ليست بهدف الانتقام من قاتليه أو حتي استعادة حقه بل من أجل تصحيح وتوثيق ذاكرة الأمة وحتي يصبح تاريخ الوطن نقيا بلا تزييف أو تلفيق. حكاية نيرودا تؤكد أن حقوق شهداء الثورة المصرية لا يمكن أن تضيع بالتقادم وأن الحقيقة لا تفقد قيمتها بمرور السنين مهما تحدثوا عن طرف ثالث أو لهو خفي أو بلطجية من الداخل والخارج. وسوف يأتي حتما اليوم الذي تنقشع فيه كل الغيوم وتظهر الحقيقة جلية واضحة لتؤكد من القتلة ومن الضحايا.. من هم الخونة ومن هم الثوار الشرفاء.. وعندها سوف تستعيد ذاكرة الأمة بريقها وحيويتها وتجد الأجيال الجديدة أساسا راسخا تنطلق منه نحو آفاق المستقبل.