أحمد عبد الحفىظ كان وجود المستشار أحمد مكي وزيراً للعدل فرصة ذهبية لتأسيس"السلطة القضائية" المستقلة حقاً.كان الأمر يحتاج لحوار موسع لا أمل في التحول باتجاه النظام السياسي الليبرالي قبل إنجازه، من داخل أروقة القضاء ومحاكمه، و أسرة القانون ورجالها،والمجتمع بمؤسساته وأحزابه. حوار أول الإدراك فيه انه لاضمان لسلامة أي سلطة إلا بالتقييد، ف"السلطة المطلقة مفسدة مطلقة" ولم تسرف أي سلطة في استعمال سلطتها بلا قيود، أو البقاء فيها بلا سقف إلا إنقلب ذلك وبالاً عليها وعلي أصحابها يوماً ما. وثاني الإدراك أن السلطة مسؤولية، وان المسؤولية تستدعي الخضوع لرقابة الرأي العام ونقده بلا تستر وراء دعاوي قداسة لاتجوز لبشر. أما ثالث الإدراك فمشكلة تحول القضاء إلي ضمانة للمواطنين والقوي والأحزاب، في مواجهة تغول السلطة التنفيذية واستبدادها التاريخي، والضمانة تتأكد، كلما جري التوسع فيها حتي بغير حدود،ولذلك يبدو التحول من وضع "الضمانة الواسعة" إلي وضع "السلطة المقيدة" صعباً علي نفوس القضاة قبل غيرهم. لكنه لم يفكر -ولا سواه- أن استقلال القضاء عملية تاريخية ثقيلة وطويلة تحتاج لجهد الرجال، ويقتضي تحقيقها الحفاظ علي تيار استقلال القضاء ودعمه داخل أروقة المحاكم ،وفي أوساط القضاء، وليس داخل دواوين وزارة العدل، وبعض المواقع الأخري، فلم يفكروا في وجوب إطلاق مثل هذا الحوار، وأجهدوا أنفسهم -وما زالوا- في محاولة انتاج النصوص التشريعية التي يظنوها غاية المراد في بلوغ الآمال، وحتي في هذه تناسوا ان التشريعات لاتقدم أي ضمان حقيقي ما لم تنتج عن بيئة متوافقة عليها، قادرة علي تحمل نتائجها، وعلي حماية الحقوق وإعمال الضمانات المدرجة فيها، وهو ما لايمكن إدراكه في ظروف مصر الحالية بحال علي الأخص بعد تفرق شمل القوي التي كانت تدعو لمثل هذه التشريعات قبل الثورة. كلما تابعت عمل وتصريحات الوزير أحمد مكي تذكرت الحديث الشريف "كل ميسر لما خلق له". والمقولة الشهيرة أن "الناس عبيد عادتهم". فالرجل- مثل جميع معارضي مبارك- لم يدر بخلده للحظة إمكانية تبوء موقع السلطة، فلما فاجأهم الأمر عادوا أدراجهم إلي ذات أساليبهم القديمة التي لم تتعد في أي وقت أسلوب الاجتماعات المركزية،تتلوها بيانات الشكوي والاحتجاج أمام وسائل الإعلام، وعرائض مطالبات الإصلاح الدستوري والتشريعي لرئيس الدولة. فلما توسد الرجل وزارة العدل، ارتهن نفسه في محبسه القديم، فضاعت فرصة حقيقية ظنها كثيرون في متناول أيديهم عندما حلف اليمين.