إن أي مجتمع يحتاج إلي ثلاث دعامات حتي ينهض ويبني حضارته وهذه الدعامات هي: ماديات، روحانيات، أخلاق وقد تميزت نهضة الإسلام وحضارته بأنها مزجت بين هذه الدعامات الثلاث. ولو أنني سئلت أن أجمل فلسفة الدين الاسلامي كلها في لفظين، لقلت: إنها ثبات الأخلاق، ولو سئل أكبر فلاسفة الدنيا أن يوجز علاج الإنسانية كله في حرفين لما زاد علي القول: إنه ثبات الأخلاق، ولو اجتمع كل علماء أوروبا ليدرسوا المدنية الأوربية، ويحصروا ما يعوزها في كلمتين لقالوا »ثبات الأخلاق« ولعل هناك تساؤلا وهو لم الأخلاق؟ ولماذا كل هذا الاهتمام بالأخلاق؟ كان من سنن العرب تكوين الكلمة من كلمات وإذا نظرنا إلي كلمة أخلاق نجدها تتركب من مقطعين صوتيين هما »أخلا« و»لاق« تري هل يمكن إيجاد شرح وتفسير لمعني ودلالة أخلاولاق الموجودتين في تركيبة كلمة أخلاق؟ أولاً: »أخلا« الموجودة في المقطع الأول تعني الخلاء والخلوة التي يكون فيها الصفاء والهدوء والنقاء وهذه العناصر أساسية لبروز الأخلاق، وتعني تخلية النفس من المذموم فيها. ثانياً: »لاق« الموجودة في المقطع الثاني تشبه كثيراً اللقي بمعني العثور والإيجاد قد تكون إشارة بليغة من اللغة العربية علي أن الأخلاق تساعد الإنسان علي الإيجاد والخلق والإبداع. بل كلمة أخلاق نفسها تعادل الخلق إشارة بليغة علي أن الأخلاق تساعد علي الخلق أي الإبداع . فكلمة الأخلاق توحي لنا بأنه إذا أردتم التطور والإبداع في الحياة فعليكم بالأخلاق ، وتوحي أيضاً لنا بأنكم إذا أردتم التعارف والتعايش بينكم فعليكم بالأخلاق. وقال رسول الله (صلي الله عليه وسلم): »عليكم بمكارم الأخلاق ، فإن الله عز وجل بعثني بها« وقال أيضا: »إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق«. وهذا إن دل علي شئ فإنما يدل علي أن الأخلاق الكريمة هي الهدف الأسمي لبعث الأنبياء (عليهم السلام)، وقد جاء السابقون منهم ببعض هذه الأخلاق وجاء رسول الله (صلي الله عليه وسلم) ليتمم ما نقص منها ويبين ما لم يبينه من سبقه من الأنبياء. واذا كانت مكارم الأخلاق هدف الأنبياء فمعني ذلك أن تكامل الإنسان هو الهدف الأسمي من خلقه لا يكون إلا بواسطة التحلي بهذه الأخلاق ، ولهذا بعثهم الله تعالي ليبينوها للناس وليطبقوها أمامهم ليكونوا مثلا عليا ونماذج حية يقتدي بها ، وقد بلغ رسول الله (صلي الله عليه وسلم) أعلي رتبة من رتبة التكامل الإنساني بأخلاقه السامية حتي استحق مدح الله تعالي بقوله:»وإنك لعلي خلق عظيم« ومن يريد السعاده الحقيقية فعليه بالأخلاق.. لا تذهب يميناً ولا شمالاً عندما تبحث عن السعادة، لأن السعادة تكمن في نفسك التي بين جنبيك وذلك بتعويدها علي الأخلاق الحسنة وإلزامها بمكارم الأخلاق ومن هنا قيل :(إن تمام السعادة بمكارم الأخلاق ). -فمن أراد سعادة الدنيا فعليه بمكارم الأخلاق. -ومن أراد سعادة الآخرة فعليه بمكارم الأخلاق. -ومن أراد سعادة الدنيا والآخرة معا فعليه أيضاً بمكارم الأخلاق. لأن الإنسان بأمس الحاجة إلي تهذيب نفسه وتعويدها علي العادات الحسنة وإبعادها عن العادات السيئة فإن الربح هو ربح النفس والخسارة خسارتها كما يقول تعالي: (قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها). دساها بمعني نقصها وأغواها وأفسدها بارتكاب الذنوب »سورة الشمس« مضافا إلي أن الأخري هي الحياة الخالدة، يقول تعالي: (إنما هذه الحياة الدنيامتاع وإن الآخرة هي دار القرار). »سورة غافر«.. ويقول تعالي: (فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز) »سورة آل عمران«.. ولأجل ذلك يكون الربح ربحها والخسارة خسارتها. ولأن التحلي بالأخلاق الحسنة يقربك من رسول الله صلي الله عليه وسلم: »أثقل شيء في الميزان يوم القيامة: خلق حسن« . وقال صلي الله عليه وسلم »إن من أحبكم إليّ، وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً، وإن أبغضكم إليّ، وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة الثرثارون، والمتشدقون، والمتفيهقون؟ قال: »المتكبرون«. ولأن الأخلاق هي غاية بعثة النبي صل الله عليه وسلم.. أراك مندهشا...!! لا تندهش ولا تتعجب .. يقول النبي صل الله عليه وسلم »إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق «. رواه الإمام مالك. أراك تقول : هل هذا معقول.. أيكون الهدف الأسمي من بعثة النبي محمد صل الله عليه وسلم هو ضبط الأخلاق؟ اقرأ الحديث مرة أخري وفكر فيه . وما علاقة هذه بتلك..؟! هل فكرت يوماً ما هي أهداف رسالة النبي صل الله عليه وسلم.. الرسالة الخاتمة من السماء للأرض ما هي أهدافها الرئيسية؟؟ وللإجابة علي هذا السؤال استمع معي إلي قول الله تعالي: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) »الأنبياء« فكر في هذه الآية ..وتخيل معي.. لو أن المجتمع يسوده الغش.. يسوده الخداع.. يسوده إضاعة الأمانة.. تسوده الفواحش فهل هناك مجتمع فيه رحمة؟. وتخيل معي عائل تسودها الكراهية.. يسودها الحسد.. تسودها الضغينة فأين الرحمة إذن؟ انها والله علاقة وثيقة بين الحديث: »إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق« وبين الآية: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) »الأنبياء« الأخلاق مثل تروس النهضة لو تعطل خلق من الأخلاق في الأمة تعطل ترس من تروس النهضة. ولو استطاع إنسان اكمال الاخلاق تكتمل الانسانية الحقيقية. فالاخلاق تشبه في صورها صورة الانسان الكامل يقول تعالي: (والتين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم). لابد أن نصر جميعاً علي الأخلاق لأن البنية التحتية للنهضة هي الأخلاق.. عندما يبدأون في أي مشروع جديد في أوله لابد من وجود بنيه تحتيه له من شبكة طرق وشبكة مياه وصرف صحي وكهرباء.. وكذلك نهضة أمتنا البنية التحية لها هي الأخلاق. فهيا لنرسخ الأخلاق في أنفسنا وفي حياتنا وننميها بقدر ما نستطيع... وإلي أن نلتقي في المقال القادم إن شاء الله أكثر من دعاء النبي صلي الله عليه وسلم (اللهم اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت) H مؤسس صناع الحياة