منذ سنوات عديدة وهو سيد قراره في السوق المحلية، قد ينخفض في دول العالم كله و تتراجع قيمته امام جميع العملات، و لكنه يظل في ارض المحروسه معززا مكرما. هذا هو حال الدولار فبعد سنوات من استقرار سوق الصرف، و رغم ارساء الكثير من القواعد للتعامل به. عادت السوق السوداء للدولار من جديد، فما أن ظهرت بوادر نقص فيه حتي ظهرت المضاربات بكل صورها وألوانها، واندفع البعض في تعظيمه الي الاصرار علي التعامل به بدلا من الجنيه حتي محليا، ليرتفع سعره الي6.74 جنيه لدي البنوك، الامر الذي دفع محافظ البنك المركزي الجديد هشام رامز لإصدار سلسلة من القرارات خلال الأيام الثلاثة الأولي من عمله تستهدف انهاء المضاربات ووضع الدولار في حجمه الطبيعي، واستعادة الاستقرار في سوق الصرف.. ولكن الي أي مدي يمكن لهذه القرارات ان تنجح في تصحيح الوضع؟.. وهل هناك قرارات اخري مكملة لابد من اتخاذها؟ كان اول القرارات التي اتخذها هشام رامز فور توليه مهام منصبه إلغاء عمولة البيع والتي كانت تصل إلي 1٪ وتلاها عدد من القرارات الاخري مثل إضافة بعض السلع الضرورية الي السلع المعفاة من توفير غطاء النقد الاجنبي قبل استيرادها و منها القمح و لبن الاطفال.. كما تم تحديد قائمة بالسلع التي لها أولوية في اتاحة التمويل بالنقد الاجنبي لاستيرادها، و سمح البنك المركزي للبنوك بإعفائها من الحد الأدني للغطاء النقدي، إذا رأت البنوك ان الموقف الائتماني للمستورد يسمح بذلك، وهي تمثل مستلزمات انتاج وقطع غيار وبعض السلع الغذائية الاساسية، وغيرها من الضروريات، محافظ البنك المركزي الجديد لم يكتف بهذه القرارات بل سعي أيضا لطمأنة العاملين بالخارج ليشجعهم علي تحويل مدخراتهم الدولارية الي مصر، فأطلق لهم حرية سحب مدخراتهم بالدولار وتحويلها للخارج بنفس القدر الذي سبق وأن حولوه للداخل من قبل، ليتم استثناؤهم من الحد الاقصي المسموح بتحويله للخارج لغير اغراض التجارة والذي تم فرضه بعد الثورة، وهو 100 الف دولار سنويا، وبالتزامن مع قرارات البنك المركزي فاجأت البنوك عملاءها برفع سعر الفائدة علي الجنيه الي 12.5٪ و 13٪ للودائع طويلة الاجل. وكانت النتيجة الفورية و الظاهرة للقرارات قدرا من الاستقرار في السوق بعد ان انخفض معدل الزيادة في سعر الدولار، ولكن اتجاه السوق لاستقرار كامل واختفاء السوق السوداء يتطلب المزيد من الاجراءات. هذا ما أكده أساتذة الاقتصاد وخبراء العمل المصرفي. تأثير سلبي يري د. سلطان أبو علي وزير الاقتصاد الاسبق ان القرارات الاخيرة جاءت في الاتجاه الصحيح للحد من الانفلات في سعر الدولار أمام الجنيه، و خاصة القرارات المتعلقة بإلغاء العمولة و رفع سعر الفائدة، فهذه الاجراءات جيدة علي المدي القصير لدعم قيمة الجنيه، ولكن هذا لا يمنع أن لها تاثيراً سلبياً علي الاستثمار، كما أنها غير كافية لتحقيق الاستقرار، فالتأثير الفعلي علي سوق الصرف في نهاية الأمر يأتي من زيادة الصادرات عن الواردات، والحقيقة ان مواردنا من النقد الاجنبي انخفضت، وبالتالي نحتاج اجراءات قد لا تكون في يد البنك المركزي، مثل العمل علي تحقيق الاستقرار الأمني لتعود السياحة الي حالتها الطبيعية، وعلي المدي الطويل لابد من زيادة الانتاج. ويضيف د. سلطان ومن الممكن في الظروف الحالية وضع قيود كمية علي الواردات غير الاساسية، وهو أمر مسموح به في ظل قواعد التجارة العالمية مادامت الدولة تواجه تحديات اقتصادية، ويمكن أيضا تحديد استخدامات النقد الاجنبي ووضع قيود عليها، ويدخل ضمن ذلك عدم السماح بالتعامل به لسداد الالتزامات في السوق المحلي وتحديد المبلغ الكاش في حالات السفر.. فكثير من الدول تلجأ لذلك ومنها دول أوروبية، حتي قبل تعرض أوروبا لأزمات مالية، تجد اجراءات العمل فيها تتضمن الكثير من التعقيدات التي تحد من الطلب علي النقد الاجنبي، دون الحد من طلبات السلع و مستلزمات الانتاج الأساسية.. مثل هذه الامور تدخل في نطاق اختصاص السلطة النقدية ممثلة في البنك المركزي، كما أن السماح بارتفاع سعر الدولار في حد ذاته يعتبر من الوسائل التي تقيد الطلب علي الدولار، و يشدد د.سلطان علي ضرورة التأني لاتخاذ قرارات مدروسة وعدم الرجوع فيها. العملة والكرامة ويقول إسماعيل حسن محافظ البنك المركزي الاسبق و رئيس بنك مصر ايران: ما تم من إجراءات يدخل تحت باب الاجراءات العلاجية للأوضاع الحالية و العلاج دائما يكون مؤقتاً لاعادة الانتظام لسوق الصرف و مواجهة السوق السوداء، فإلغاء العمولة وتقليل نسبة الفرق بين سعري البيع و الشراء و إلزام شركات الصرافة بذلك يمكن أن يلعب دوراً في تهدئة السوق، و لكن بالنسبة الي رفع سعر الفائدة علي الجنيه الي 12.5٪ قد لا يكون له تأثير قوي، لأن الفرق بين سعر الفائدة علي الجنيه و الفائدة علي الدولار كان كبيراً بالفعل و رغم ذلك لم يمنع الدولرة، و لا أعتقد انه يمكن زيادة سعر الفائدة علي الجنيه لأكثر من ذلك لأن تأثيرها سيكون سلبيا علي الاستثمار والاقتصاد ككل، ويرفض محافظ البنك المركزي الاسبق تماما فكرة وقف نظام الاوكشن حاليا مؤكدا أن تطبيقه في باديء الامر زاد من إحساس السوق بنقص النقد الاجنبي و أي محاولات لوقفه حاليا سينتج عنها نمو في السوق السوداء، و يضيف أن ما يجب فعله حاليا هو التعاون الكامل من جانب قيادات البنوك اثناء تنفيذ تعليمات البنك المركزي بما يحقق المرجو منها في مواجهة السوق السوداء و سرعة العودة لانتظام سوق النقد الاجنبي. ويشدد علي ضرورة رفض أي تعاملات تتم في السوق المحلي بالنقد الأجنبي، مؤكدا أن تجاهل العملة الوطنية والاصرار علي التعامل بالنقد الأجنبي أسلوب ينفرد به المجتمع المصري ولابد من مواجهته بحزم فعملة الدولة هي رمز لكثير من المعاني في مقدمتها الكرامة. البنوك الأجنبية وتقول د. فائقة الرفاعي نائب محافظ البنك المركزي سابقا: رغم تحفظي علي رفع أسعار الفائدة علي الجنيه، فإن اتخاذ هذه القرارات كان مطلوبا، كما أن ضمها في حزمة واحدة من شأنه ان يحقق تأثيراً ملموساً. وتؤيد د. فائقة تقييد وترشيد الاستيراد بكل الأساليب الممكنة بما فيها رفع الجمارك علي بعض السلع غير الضرورية و وضع قيود كمية علي سلع اخري لتخفيف الطلب علي النقد الاجنبي، مع العمل علي تشجيع الصادرات و زيادة الانتاج، وتقول يمكن أيضا أن يوجه جزء من الاموال التي تم توفيرها من خلال الغاء الدعم عن بعض السلع البترولية الي الاستثمارت الحكومية: فيتم التوسع في صناعات قائمة أو إنشاء صناعات جديدة تحل محل الواردات ولابد من بذل المزيد من الجهود لجذب الاستثمارات من عدد من الدول العربية وعدم التركيز علي دول بعينها، و بالنسبة للصفقات الضخمة التي تتم حاليا علي الساحة المحلية تري د. فائقة أن علي الجهات الرسمية في مصر أن تتفاوض مع المستثمر علي ان يبقي 50٪ علي الأقل من قيمة الصفقة في السوق المحلي ل 3 سنوات علي سبيل المثال، ليعطي هذا الاقتصاد حقه فيما حققه من مكاسب نتيجة الاستثمار علي أرضه، وإلا فإن اموال الصفقة ستحول الي الخارج و لن يستفيد الاقتصاد القومي منها، و تطالب ايضا بتفعيل رخصة بنوك الاستثمار والاعمال، وتقول ان البنوك الاجنبية عندما دخلت مصر دخلت كبنوك استثمار وأعمال وهو ما يعني ان تركز انشطتها علي الاستثمار وليس الاغراض التجارية ولكن لأسباب غير مفهومة تحولت جميعها الي التركيز علي الاعمال التجارية فقط، وهو امر لابد من تصحيحه خاصة في المرحلة الحالية. مكاسب الجنيه بقدر تفاؤل الخبراء بالقرارات الجديدة كان هناك أيضا تفاؤل مسئولي البنوك.. حيث يري محمد بركات رئيس بنك، مصر أن القرارات الأخيرة تتضمن الكثير من الإيجابيات، خاصة فيما يتعلق بطمأنة المصريين في الخارج و تشجيعهم علي تحويل اموالهم الي مصر، وتحديد الأولوية في فتح الاعتمادات وجعلها للضروريات وهو ما من شأنه الحد من فرص المضاربين، ويقول ان القرارات اتاحت الفرصة لتوفير المزيد من السلع الاساسية دون اشتراط حد أدني من الغطاء النقدي، ووضع قائمة محددة لتلك السلع جعلها موجهة لما يلبي احتياجات الاقتصاد القومي. وعن مدي تأثير رفع سعر الفائدة علي الجنيه و الهدف منه يقول: نحن لم نكن من المرحبين بخفض الفائدة علي الجنيه من قبل وحتي عندما خفضنا كان خفضاً طفيفا ولاشك ان رفعها الي 12.5٪ سيشجع البعض علي الاحتفاظ بودائعه بالجنيه و عدم اللجوء لتحويلها الي دولار، لان الفرق بين العائد علي الدولار و العائد علي الجنيه ارتفع و هناك فئات تتأثر بذلك العائد بدرجة كبيرة ، كما أننا لو نظرنا للمكاسب التي يمكن أن تحققها الودائع بالجنيه علي المدي الطويل، ستكون أعلي كثيرا من المكاسب المحققة مع الدولار حتي بعد تغير سعره، فمن احتفظ بأمواله منذ خمس سنوات مثلا بالجنيه حقق مكاسب 50٪ و الدولار بكل ماحققه من ارتفاع في قيمته لم يرتفع الي هذا الحد، وبالتالي فإن الاحتفاظ بالودائع بالجنيه أفضل علي المدي الطويل. استعادة الاحتياطي وتقول بسنت فهمي الخبيرة المصرفية: أهم قضية حاليا هي اعادة بناء احتياطي النقد الاجنبي لتحقيق الاستقرار في الجهاز المصرفي، وهذا هو ما يجب ان يشغلنا حاليا وليس سعر الجنيه، ولتحقيق ذلك لابد من انعاش الاقتصاد واستعادة عافيته لانه يعاني حاليا من ركود وبطالة وتضخم، ومواجهة ذلك امر صعب في ظل الاوضاع الامنية والسياسية الحالية ولكن هناك عدة قرارات يمكن أن تتخذها البنوك قد لا تحقق لها مكاسب بل وقد تمثل ضغوطا عليها ولكنها ضرورة لتحقيق الاستقرار والاستمرارية، وستساعد في اقالة الاقتصاد من عثرته، من هذه الاجراءات اعادة جدولة قروض شركات السياحة و المقاولات وغيرها من الأنشطة التي تأثرت بالثورة و تعثرت لاسباب خارجة عن ارادتها، مثل هذه الحالات لابد أيضا من إعفائها من الفوائد التي تم تحميلها بها خلال العامين الماضيين. وتختلف بسنت مع الاراء السابقة حول رفع سعر الفائدة علي الجنيه، فهي تري ان احد الحلول السريعة التي لابد من اتخاذها هو رفع سعر الفائدة علي الجنيه ليصل الي 18٪ و تقول: في هذه الحالة فقط يمكن أن يحدث تحول سريع من الدولار إلي الجنيه، وهذا من شأنه إتاحة فرصة للبنك المركزي لاعادة تكوين احتياطي نقد اجنبي من جديد، وتقول إن البنوك يمكن ان تعوض نفسها بالتركيز علي اقراض المشروعات الصغير ومتناهية الصغرة، والتي تدفع فائدة تزيد علي 20٪ لان نفقاتها الثابتة أقل من المشروعات الكبيرة، أما التضخم فتري انه يمكن مواجهته وحماية البسطاء منه من خلال مواجهة الاحتكار، وحرص الحكومة علي توفير السلع بأسعار مناسبة من خلال الجمعيات التعاونية المنتشرة مع احكام الرقابة عليها للتأكد من عدم تسرب السلع للتجار.