فكرة كتابة المذكرات كانت تراودني منذ بداية عهدي بالقراءة والكتابة،كنت افضل قراءة المذكرات لكبار المشاهير ونجوم السينما والأدب والفكر، كنت اجد متعة شخصية في معرفة ما يسمي "الاعتراف" وكانت كلمة البوح تحمل لي كل معاني السحر والغموض لكن ابدا لم احولها الي كلمات علي سطور دفاتري، كنت ابكي مع اوجاع اصحاب المذكرات واضحك وأفكر وأحيانا تكون اعترافاتهم بمثابة درس في الحياة استعين به في ظروف مشابهة لما حدث لصاحب الاعتراف مثل فشله في تجربة ما، او نجاحه في تحقيق حلم طال انتظاره، وكلما فكرت في تنفيذ فكرة كتابة يومياتي او اعترافاتي او ما شابه ذلك كنت اتراجع بمجرد ما افتح الدفتر واهم بكتابة اول كلمة في اول سطر وما اكثر ما مزقته من اوراق في فترات عمرية مختلفة، كانت هناك سنوات خصبة في حياتي وسنوات عجاف، اقصد كانت هناك فترات في العمر مملوءة بالنشاط والحيوية والقيام بأفعال وتصرفات لو عاد الزمان الي الوراء ربما كنت تخليت عنها!، أو ربما كنت فعلتها بمثل ما حدثت بالفعل ! اقصد ان فترة مابين الثلاثين من العمر وحتي أواخر الاربعينيات كانت الحياة اكثر ضجيجا اما اليوم وقد صارت الامور تسير نفسها بنفسها دون تدخل منا في معظم الاحوال لم تعد هناك اسرار او حتي شيء يمكن اخفاؤه، كل الأحداث علي الهواء تقريبا، واختفت الاسرار والغموض، وصار العقل سيد الموقف في كثير من شئون الحياة، وتوارت العواطف مختبئة في مكان عميق داخل الروح التي لا يعرف سرها غير الله سبحانه وتعالي وصارت الحياة اشبة بحدوتة تحدث في كل بيت بعد ما صارت هموم الناس مشتركة في البحث عن الاستقرار وراحة البال، وصلاح الحال الذي أصبح من المحال كما يقول بعض العامة من الناس البسطاء الذين يحلمون بالكرامة والحرية ولقمة العيش الحلال في ظل واقع رحيم لا يفرق بين الثري والفقير في عدالة اجتماعية لأبسط الحقوق الانسانية.. وسواء كتبنا اوجاعنا او همومنا او حتي افراحنا تظل السيرة الذاتية هي مجرد حكايات نرويها للأبناء والأحفاد كتجارب تكون بمثابة كلمات في قواميس حياتهم لحل الغاز المشاكل اليومية لديهم. وإن كان في معظم الاحوال هم ابناء جيلهم المتمرد الذي يريد ان يغير حاله دون تدخل منا بالنصيحة او بالخبرة او حتي بالوقوف بجوارهم علي حافة مشاكلهم، ولا يعيب جيلنا علي جيلهم لان كل جيل له احتياجاته ومتطلباته التي قد يجدها في نصيحة الكترونية او من صديق مقرب بعيدا عن نصيحة الام أو الاب التي يتصور البعض أنها تعليمات لا رجعة فيها، والحقيقة حتما سيعرفها الابن او الابنة عندما يصلون الي مرحلة النضج وإدراك ان نصائحنا كانت خوف وحب وتجربة، وتظل كتب السيرة الذاتية سراً من اسرار الناس التي يصنعها الكثيرون أحيانا وتخلد البعض ممن تتسم اعترافاتهم بالصدق، والغالبية تتردد في كشف نقاط ضعفها، وتصر علي حمل الهم وتصفيته وإعادته في غربال ضيق الثقوب لدرجة الموت كمدا دون ان النطق بكلمة اعتراف واحدة تكشف نقطة من نقاط ضعفنا .!