مجدى عبدالعزىز وسط حالة الجدل والخلاف السياسي العقيم الذي يسيطر علي حياتنا الآن ليل نهار وبينما تزداد وتعلو الأصوات الحنجورية هنا وهناك يخرج علينا الإمام الجليل الشيخ محمد العريفي من فوق منبر مسجد البواردي بالرياض بالمملكة العربية السعودية يوم 41 ديسمبر الماضي بخطبة رائعة تتحدث عن مصر وأهلها كما جاء في القرآن الكريم عدة مرات دون غيرها من دول العالم وهو تكريم إلهي ما بعده تكريم خصها به رب العرش العظيم. فعلي أرض مصر الوادي المقدس طوي وفيها الجبل الذي كلم الله تعالي عليه النبي موسي عليه السلام وفي أرضها يجري نهر النيل الخالد وفوق أرضها الطاهرة الربوة التي أوي إليها سيدنا عيسي وستنا »مريم« رضي الله عنهما وهي مصر الوطن الذي أوصي رسولنا الكريم محمد صلوات الله عليه وسلم بأهلها خيراً حيث قال: إذا فتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيراً فإن لهم ذمة ورحمة. وقد كرمنا الله سبحانه وتعالي وذكر اسم مصر صريحاً في أربعة مواضع في كتابه الكريم تشريفاً وتكريماً لها ووصف بلادنا بالأمن والامان وقال العلي القدير: »ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين«. وأخذنا الإمام الشيخ محمد العريفي في خطبته الرائعة إلي عدة نقاط أخري مهمة تتحدث كلها عن عظمة مصر شعباً وأرضاً وحضارة وعلواً وقيمة بين غيرها من الأمم والشعوب وتوقف طويلاً أمام العلماء من أبناء هذه الأمة الذين امتد أثرهم إلي كل الدنيا وذكر أسماءهم وأوضح فضلهم علي الإنسانية عبر كل زمان ومكان فهو لا يتحدث عن بلد عادي علي حد قوله ولكنه يتحدث عن بلد عظيم القدر أهله هم من آلين الناس تعاملاً وأحسنهم أخلاقاً وأدباً فإذا أردت لغة الفصحي فأنت في مصر وإذا أردت دراسة القرآن وتجويده فالتفت إلي مصر وإذا أردت الأخلاق الحسنة وحلاوة اللسان وحلاوة التلاوة والقرآن فالتفت لزاماً إلي مصر بلد الخير والجمال والمحبة والنسيج الواحد المتآلف في رباط حتي يوم الدين. تلك هي مصر التي حباها الله سبحانه وتعالي بنعمه الكثيرة التي لا تعد ولا تحصي والتي أكد فيها العلي القدير بأن جنودها خير أجناد الأرض وهو ما توقف أمامه طويلاً فضيلة الإمام الشيخ محمد العريفي في خطبته البليغة التي تعد نموذجاً لما ينبغي أن يكون عليه الخطاب الديني في مجال الدعوة الإسلامية فالرجل قدم شهادته للتاريخ عن مصر الوطن والمكان في وثيقة لابد من الاحتفاء والاستفادة بها لنشر الوعي بين أبنائنا في وقت نحن أشد حاجة فيه إلي مثل هذا النموذج الراقي لبيان قدر أمتنا بكل الأدلة الصريحة والواضحة عن الموقع والتاريخ والمكانة والتشريف الإلهي الذي ذكرته كل كتبنا السماوية بدءا من التوراة والانجيل والقرآن الكريم فما أحوجنا إلي نوبة صحيان تذكرنا بحق هذا الوطن علينا حيث اصطفاه الله سبحانه وتعالي وجعل أهله خير أمة أخرجت للناس ووضع فيه كل عناصر القوة والرباط حتي يوم الدين وهو ما يؤهله لاستعادة دوره الحضاري والريادي ويدفع به إلي قيادة امته في مواجهة الأخطار المحيطة به ليل نهار. إننا يجب أن نتخذ من خطبة فضيلة الإمام العريفي منهجاً لشحذ الهمم والانطلاق نحو بناء مصر الجديدة علي أسس قوية متينة لا تعرف الخلاف أو التناحر أو التحزب وحسناً فعل الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الجليل بدعوته للشيخ محمد العريفي لزيارة مصر والالتقاء مع أهلها والتحدث إليهم من فوق منبر مسجد عمرو بن العاص ليعيد علي أسماع ملايين المصريين قصيدة الحب التي تحدث بها عن أم الدنيا في لحظة فارقة من تاريخ هذا البلد الطيب الذي لن يسقط أبداً ولن تنهار قيمه ومبادئه وتعاليمه الدينية ووسطية إسلامنا الحنيف سوف تحمينا وتصل بنا كأمة واحدة يجمعها نسيج واحد إلي بر الأمان مهما اشتدت بنا العواصف والأزمات فلابد لليل أن ينجلي وتشرق الشمس بنورها الساطع المضيء بنبض الحياة. ياليتنا نستفيد من خطبة الإمام محمد العريفي وتقوم وزارة الإعلام بقرار من الوزير الصديق صلاح عبدالمقصود بإذاعتها بصفة دائمة بين برامج الإذاعة والتليفزيون خاصة وهو الذي احضر شريط هذه الخطبة من السعودية واذاعها علي شاشة التلبفزيون المصري لاول مرة وحسنا ما فعله وزير الاعلام ايضا بتكليف سعد عباس رئيس »صوت القاهرة« بطبع الخطبة علي شرائط كاسيت بأسعار زهيدة لتكون في متناول الجميع وكم تمنيت لو أن د.إبراهيم غنيم وزير التربية والتعليم وهو عالم جليل كفء أن يصدر تعليماته بضرورة أن تكون تلك الوثيقة التي تتحدث عن فضائل مصر ضمن ما يدرسه الطلبة في كل مراحل التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي في النصف الثاني من العام الدراسي فمصر الكنانة ما هانت علي أحد ولابد من رد الجميل إليها بالمزيد من العمل من أجلها والحفاظ علي مواردها الثرية وتنميتها وصيانة ربوعها والذود عنها بكل غال ورخيص. لقد آن الأوان للصحوة الكبري لإعادة بناء الأمجاد وكفانا شد وجذبا وكفانا سبا وتخوينا وكفانا غلا وحقاد وكفانا قلقا وتوترا وكفانا اضطرابات وأزمات وكفانا مطالب فئوية وأصوات حنجورية وكفانا حوار الطرشان وتعالوا بنا نبدأ من جديد في حب مصر التي نذوب جميعاً عشقاً في ترابها الوطني وفي كل حبة رمل علي أرضها الطاهرة فنحن بدون هذا الوطن شعب في العراء لا قيمة له يسبح في غياهب المجهول وسط ظلام دامس يفقده الرؤية والقدرة علي المضي قدماً في طريقه نحو النور يبني ويعمر ويصون ولا يبدد ويحمي ولا يفرط ويجمع ولا يفرق. وأخيراً لا أجد ما اختتم به مقالي هذا سوي شكراً.. يا فضيلة الإمام محمد العريفي لقد أيقظت فينا جينات الروح والمحبة في زمن جفت فيه مشاعر الدفء والود وتحجرت فيه القلوب ولكن لسه الأماني ممكنة في عودة اللحمة القوية وصلة الرحم من جديد والله المستعان.