قوات الدفاع الجوي.. لهيب السماء| شاهد    الغرف التجارية: الاستثمارات الأوروبية داخل مصر تجاوزت ال41 مليار دولار    عمومية الغرف السياحية تعتمد الميزانية والحساب الختامي للاتحاد    بنك القاهرة يحصد جائزة أفضل مقدم لخدمات تمويل التجارة العالمية لعام 2024    الاتحاد الأوروبي: خطوة سموتريتش لتشريع 5 بؤر استيطانية محاولة لتقويض جهود السلام    رئيس الوزراء: نتطلع للاستفادة من الخبرات الأوروبية في التجارة والتصنيع    أستاذ علوم سياسية يستبعد اعتزال نتنياهو للسياسة رغم استطلاع ال66%    التعادل السلبي يحسم مباراة إنبي وبلدية المحلة في الدوري    الغندور: رابطة الأندية تفكر في تأجيل الدوري إسبوعين.. الجدول الأخير «فنكوش»    كامافينجا: ديشامب وأنشيلوتي متشابهان.. ولا أحب اللعب في هذا المركز    الجيزة: كسر مفاجئ بخط المياه بميدان فيني بالدقي والدفع ب7 شفاطات لرفع المياه    «التعليم»: لجنة فنية متخصصة لإعداد تقرير حول مدى مطابقة أسئلة الفيزياء للمواصفات    «الإنتاج الثقافي» يحتفل بذكرى ثورة 30 يونيو بساحة الهناجر غدا    جامعة سوهاج: تكليف 125 أخصائي تمريض للعمل بمستشفيات الجامعة    القاهرة الإخبارية تعرض تقريرا بعنوان "الإخوان.. جماعة الدم والتطرف"    ليفربول يستهدف التعاقد مع نجم نيوكاسل يونايتد    المقاولون العرب يقبل اعتذار معتمد جمال عن تدريب الفريق    انطلاق التصويت في الانتخابات الرئاسية الموريتانية    وفد من وزارة الصحة يتفقد منشآت طبية بشمال سيناء    محافظ المنيا يوجه بوضع آليات عاجلة والاستجابة الفورية لطلبات المواطنين    إطلاق برامج تدريبية مجانية على الخياطة والحاسب الآلي لسيدات جنوب سيناء    أعظم الثورات ومنحت الشباب مكتسبات غير مسبوقة.. رئيس "رياضة النواب" يهنئ السيسي ب"30 يونيو"    ضحية إمام عاشور يطالب أحمد حسن بمليون جنيه.. و14 سبتمبر نظر الجنحة    بعد إحالته للمفتي.. تأجيل محاكمة متهم بقتل منجد المعادي لشهر يوليو    حملات بيئية للتصدي لحرق المخلفات الزراعية والبيئية بالأقصر    نسرين طافش تنشر فيديو أثناء لعبها التنس.. والجمهور: "صباح النشاط"    صراع السينما المصرية على شباك التذاكر.. "أولاد رزق وبيت الروبي وصعيدي في الجامعة الأمريكية" أفلام حققت أرقامًا قياسية بالإيرادات.. والشناوي: السيناريو ونجم العمل من أهم أسباب النجاح    عضو "طاقة النواب": مصر نجحت في عمل بنية تحتية جاذبة للاستثمار    إصدار مليون و792 ألف شهادة صحية مؤمنة ب «رمز الاستجابة» للمقبلين على الزواج    مصر تدعو دول البريكس لإنشاء منطقة لوجستية لتخزين وتوزيع الحبوب    سلمى أبوضيف: قصة حبي حصلت صدفة والضرب في "أعلى نسبة مشاهدة" حقيقي    علامات مبكرة للذبحة الصدرية.. لا تتجاهلها واذهب للطبيب فورا    الصحة: اختيار «ڤاكسيرا» لتدريب العاملين ب «تنمية الاتحاد الأفريقي» على مبادئ تقييم جاهزية المرافق الصيدلانية    ماهو الفرق بين مصطلح ربانيون وربيون؟.. رمضان عبد الرازق يُجيب    الاتحاد الأوروبي يعلن توسيع العقوبات المفروضة على روسيا    محافظ الجيزة يهنئ الرئيس السيسي بذكرى 30 يونيو    أكرم القصاص: علاقات مصر والاتحاد الأوروبى تعتمد على الثقة وشهدت تطورا ملحوظا    بدءا من اليوم.. فتح باب التقدم عبر منصة «ادرس في مصر» للطلاب الوافدين    الفريق أسامة ربيع: نسعى لتوطين الصناعات البحرية والصناعات الثقيلة وإعادة الريادة للترسانات الوطنية    تأجيل محاكمة المتهمين بقتل جواهرجي بولاق أبو العلا ل28 يوليو    مجلس جامعة الأزهر يهنئ رئيس الجمهورية بالذكرى ال 11 لثورة 30 يونيو    الاحتلال الإسرائيلي يتعمد استهداف طواقم الإسعاف والدفاع المدني    الصحة: الكشف الطبى ل2 مليون شاب وفتاة ضمن مبادرة فحص المقبلين على الزواج    كيف فسّر الشعراوي آيات وصف الجنة في القرآن؟.. بها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت    جليلي وبيزشكيان يتنافسان في جولة الإعادة الرئاسية في إيران    امتحانات الثانوية العامة 2024.. طلاب علمي يشكون صعوبة الفيزياء وارتياح بالشعبة الأدبية بعد التاريخ بالمنيا    السياحة تكشف حقيقة التحذيرات البريطانية والأمريكية لرعاياهما بشأن السفر إلى مصر    شرح حديث إنما الأعمال بالنيات.. من أصول الشريعة وقاعدة مهمة في الإسلام    استعدادات أمنية لتأمين مباراة الزمالك وسيراميكا الليلة    مجلة جامعة القاهرة للأبحاث المتقدمة تحتل المركز السادس عالميًا بنتائج سايت سكور    اليوم.. الحكم علي كروان مشاكل وإنجي حمادة بتهمة نشر الفسق والفجور    الإفتاء: يجب احترم خصوصية الناس وغض البصر وعدم التنمر في المصايف    حظك اليوم| برج العذراء السبت 29 يونيو.. بشائر النجاح والتغيير بنهاية الشهر    لقطات من حفل محمد حماقي في «ليالي مصر».. شكر «المتحدة» وأعلن موعد ألبومه الجديد    وزارة التربية العراقية: نتائج الثالث متوسط 2024 محافظة الكرك    حكم استئذان المرأة زوجها في قضاء ما أفطرته من رمضان؟.. «الإفتاء» تٌوضح    «غير شرعي».. هكذا علق أحمد مجاهد على مطلب الزمالك    البنك الأهلي: تجديد الثقة في طارق مصطفى كان قرارا صحيحا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د . سامح فوزي: الكنيسة مدرسة في حب الوطن
لا يعقل ان يخرج اليوم من يحرم تهنئة الاقباط بالعيد
نشر في أخبار اليوم يوم 04 - 01 - 2013


كيف تري الراهن الوضع الراهن؟
نحن لازلنا في المرحلة الانتقالية التي تقتضي بناء المؤسسات الديمقراطية. خرجنا منذ أيام من تجربة "الاستفتاء" التي شهدت استقطابا حادا لم يشف منه المجتمع إلي الآن. وهناك حوار يدور في "الاتحادية" بين عدد من القوي السياسية لم تشارك فيه إلي الآن جبهة الإنقاذ الوطني. هذا الاستقطاب مضر بالمجتمع علي عدة مستويات: أولا ايجاد حالة من عدم الاستقرار السياسي، ثانيا: تعقيد علاقة مصر بالمجتمع الدولي الذي يريد أن يراها تمضي قدما علي طريق الديمقراطية، إلي جانب تعميق الأزمة الاقتصادية. أما فيما يتعلق بالأقباط فإن الحضور المسيحي في مصر يتأثر سلبا باجواء الاستقطاب بين قوي إسلامية وأخري مدنية لأنه يحد من انتشار المسيحيين في المشهد السياسي كلل، ويؤدي الاستقطاب إلي حشر الأقباط بين فسطاطين أو فريقين مختلفين، ورأينا كيف أن قيادات من التيار الإسلامي اتجهت عشية الاستفتاء علي الدستور إلي وصم الأقباط بالوقوف في صفوف المعارضة ومعاداة الشرعية والشريعة، مما جعل للاستقطاب أبعادا دينية خارج السياق السياسي. وزاد علي ذلك أن هناك اجتهادات وفتاوي وآراء علي الجانب الإسلامي تنال من مواطنة الأقباط. هذه جميعا تجافي الفقه المصري الرحب الذي نجده في كتابات الإمام محمد عبده، والدكتور عبد المتعال الصعيدي، والشيخ شلتوت وغيرهم. هل يعقل أن نجد من يصدر فتاوي تحرم إلقاء التحية علي مسيحي، أو يحذر من مجرد تهنئته بالعيد؟ الخروج من الاستقطاب يحتاج إلي إرادة.
كيف تري انسحاب الكنيسة من التأسيسية؟
لم أكن عضوا في الجمعية التأسيسية، ولم أشارك في قرار الانسحاب. لكن في حدود علمي- كما يظهر من البيان الذي صدر عن الأنبا باخوميوس قائم قام البطريرك وقتئذ- أنه كان هناك شعور بأن الدستور لا يعبر عن الهوية المصرية. هنا ينبغي أن نتفق علي أمر مهم: الأقباط يريدون دستورا مصريا يعبر عن الهوية المصرية، والمواطنة، والحريات. يشاركون في ذلك ملايين المصريين الذين لا يعادون الدين، بل يجلونه ويحترمونه، لكن لهم منهجا منذ مطلع القرن العشرين أن السياسة مدنية، والسلطة مدنية، وحقوق وحريات المصريين مصانة. نتذكر جيدا أنه إبان إعداد دستور 1923م لم يعترض الأقباط علي أن يكون الإسلام دين الدولة، ولم يعترضوا علي بقاء المادة الثانية التي تنص علي أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، لكنهم مع ذلك يرفضون "تديين" الدستور و"دسترة" قيود نابعة من تفسيرات دينية متشددة .
مواطنون سوبر
مع خروج الأقباط لممارسة السياسة هل تعود الكنيسة لممارسة الشعائر الدينية
بالطبع فتحت ثورة 25 يناير الباب علي مصراعيه للمصريين جميعا للمشاركة في السياسة، والأقباط جزء من المجتمع المصري. إذا شعر المسيحي بأن الدولة تعطيه حقوقه كاملة، ولم يعد لديه شعور بأن هناك تمييزا ضده فلن يلجأ إلي الكنيسة إلا لممارسة الشعائر الدينية. ولكن نظرا لأن هناك شعورا لدي الأقباط بأن الدولة لا تعطيهم حقوقهم كاملة فإنهم يلجأون إلي الكنيسة. وهذه الظاهرة لها جذور في علم السياسة. إذا لم يجد المواطن الرعاية من الكيان السيادي الأكبر- أي الدولة- فقد يتقوقع في الولاءات الضيقة الأقل سواء كانت عرقية أو دينية أو مذهبية.
مرة أخري المواطنون الأقباط، يطالبون بالمساواة الكاملة مع المسلمين. وهذا حقهم في المواطنة. لكنهم لا يتصورون أن يكونوا "مواطنين سوبر" أو يطالبون بالهيمنة علي غيرهم.
وهناك بالطبع مسئولية علي الأحزاب السياسية، وبخاصة ذات المرجعية الإسلامية، في تشجيع الأقباط علي المشاركة، وفتح مجالات العمل العام أمامهم أسوة ببقية المصريين، وتجفيف منابع الآراء الطائفية في الحياة العامة.
ماهي المواد المراد تعديلها في الدستور؟
قدمت الكنائس المصرية الثلاثة- الأرثوذكسية والكاثوليكية والإنجيلية- مذكرة إلي اللجنة المنوط بها جمع الاقتراحات بتعديل مواد في الدستور برئاسة الجمهورية. المذكرة تشمل نحو عشرين مادة، تناولتها بشيء من التفصيل، وبيان أوجه الاعتراض، والنص المقترح للتغيير. واللافت أن الكنائس لم تتحرك بوحي من رغبتها في تبني تغيير المواد الدستورية التي تتصل بها مباشرة، لكنها رأت أن تقدم تصورا لعدد المواد التي تتصل بمختلف الحقوق والحريات والأنشطة في المجتمع المصري ككل، وهو ما يعكس توجها وطنيا أصيلا في النظر إلي الأمور. وأبرز المواد التي تطالب الكنائس تعديلها 219 / 10 / 81 .
أنت عضو بالحوار الوطني كيف يتحقق أهدافه؟
الحوار الوطني مظلة تجمع قوي سياسية وممثليو هيئات دينية وشخصيات عامة للحوار حول استحقاقات المرحلة الراهنة في محاولة لبناء توافق بين القوي السياسية. أشارك في الحوار مع الدكتورة سوزي ناشد ممثلين عن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، انطلاقا من مسئولية الكنيسة، وإيمانها بأهمية الحوار، وبناء التوافق، والعلاقات الطيبة بين مختلف مكونات المجتمع المصري. ونحن نشارك مصريين، مهمومين بالهم الوطني، وليس انطلاقا أو تعبيرا عن هوية دينية. وقد كلفني المستشار محمود مكي ولجنة الحوار الوطني بالعمل في إطار لجنة تضم عضوين آخرين هما الاستاذين إبراهيم المعلم ومحمد أنور السادات لإجراء اتصالات مع أعضاء جبهة الانقاذ للمشاركة في الحوار الوطني. يعني ذلك أن الدافع وراء المشاركة في الحوار الوطني هو الحرص علي الوطن، وتحقيق التوافق بين مكوناته الأساسية. وقد انجز "الحوار الوطني" مشروع قانون انتخاب مجلس النواب، وحرص علي تجميع آراء القوي السياسية، وخرج مشروع القانون متوازنا إلي حد بعيد، يعطي قوة دفع للمرأة بإلزام وضعها في النصف الأول من القوائم الانتخابية، وهو ما طالبنا به، لكن كانت لنا رؤية أوسع عبرنا عنها بأن يتسع المجال لتمثيل كل الفئات الأقل تمثيلا مثل الأقباط والشباب وغيرهما لكن لم تجد مطالباتنا صدي. هنا اتساءل: لماذا لا يعالج برلمان ما بعد ثورة 25 يناير التي شارك فيها المسلمون والمسيحيون معا وقدموا التضحيات المشكلات الموروثة في تكوينه، ولا يسعي لمواجهة التهميش السياسي الذي يعاني منه الأقباط في المؤسسات المنتخبة؟ .
هل الأقباط موجودون علي الخريطة السياسية وبكل الحرية؟
الأقباط ليسوا جماعة مغلقة، وليسوا كتلة صماء، لكنهم بحكم مواطنتهم- متنوعون، ومنتشرون في كل التيارات السياسية، والطبقات الاجتماعية الاقتصادية، والمهن. لم يحدث أن أغلق الأقباط الباب علي أنفسهم، ولم يتفاعلوا مع المجتمع بأسره. ويكفي أنهم يجاورون المسلمين في السكن والعمل والحياة الاجتماعية.
من هذا المنطلق الأقباط موجودون في كل التيارات، لكنهم أكثر حضورا في التيارات الليبرالية واليسارية وبدرجة أقل في الإسلامية. هذه الظاهرة مفهومة. التيارات الليبرالية واليسارية تدعم حقوق وحريات المواطنين مما يتماشي مع النسق الفكري لقطاع عريض من الأقباط مهموم بالمشاركة والمواطنة. وبرغم ذلك هناك مسيحيون في التيارات الإسلامية، وهي ظاهرة جيدة من وجهة نظري لأنها تؤكد أن الأقباط جماعة وطنية متنوعة ومتفاعلة مع كل التيارات السياسية في المجتمع. هنا يقع العبء في رأيي علي التيار الإسلامي الذي يحتاج إلي جهد أكبر لتشجيع الأقباط للتفاعل معه ايجابيا أسوة بما تفعله الأحزاب السياسية الليبرالية واليسارية. يحتاج التيار الإسلامي أن يسكت الأصوات الزاعقة داخله التي ترسل رسائل تخويف، وتفزيع للأقباط، وتشعرهم بأنهم ليسوا شركاء أصلاء في هذا الوطن. هل يعقل أن يخرج علينا من يحرم أن يهنئ المسلم شريكه القبطي في عيده؟ رغم أنهما يقتسمان معا هموم المواطنة والحياة علي ضفاف النيل. الفقه المصري الرحب لا يعرف مثل هذا التشدد. ولا ألوم قبطيا إذا شعر في ذلك بالإهانة والغضب، وهو نفس الشعور الذي أعتري المسلمين أيضا. مصر مختلفة، وليس كل آراء الفقهية المتشددة والوفدة من مجتمعات لا تعرف التعددية الدينية تصلح لها، ولن يستمع المصريون إلي هذه الآراء التي لا تتماشي مع الروح المتدينة الطيبة التي نشأوا عليها. بالطبع ليس كل الإسلاميين يقولون ذلك. الإخوان المسلمون مختلفون عن التيارات السلفية في هذا الأمر. هذا أمر جيد، ولكن لا ينبغي أن نسمح بأي تهديد للوسطية الإسلامية التي يعيش في رحابها المسلم والقبطي. بصدق أري شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، ومؤسسة الأزهر العريقة، جزءا من وجدان القبطي كالمسلم علي السواء، والسبب يعود إلي أن الفقه المصري الذي تبلور علي يد فقهاء مصريين أجلاء ظهر وانتعش في رحاب الأزهر.
حديث غير و اقعي
هل انتهت أزمة قانون دور العبادة في ظل الدستور
الهموم التي يعاني منها الأقباط متعددة وليست فقط بناء وترميم الكنائس. وأري في كثير من الآراء التي تروج، وكثير منها من بعض الإسلاميين، تحمل روحا غير صافية، وآراء تختلف عن الفقه المصري الرحب. الذين يتحدثون عن عدد الكنائس اليوم ينسون أو يتناسون أن هناك صحابيين أجلاء لازموا عمرو بن العاص في دخوله مصر قالوا أن الكنائس من عمارة الأرض. هذا هو الفقه المصري الذي يري في الكنائس مثل المساجد "عمارة للأرض". هل يصلح أن تظل هناك قيود علي بناء وترميم الكنائس؟ هل يصح أن يبحث قبطي عن كنيسة يصلي بها ولا يجدها أو يضطر للذهاب لقرية أخري للصلاة؟
لا يصح ذلك، ولا يقبله المسلمون وبالطبع المسيحيون. الحديث عن عدد الكنائس بالنسبة لعدد الأقباط غير واقعي، والسبب أننا لا نعرف عدد الأقباط ابتداء في مصر في ضوء حجب تعدادهم في الإحصاءات الرسمية، أو التهوين منها، كما لا نعرف عدد الكنائس في مصر. والذين لا يعترضون علي مساحة المنتجعات والأراضي الشاسعة المملوكة لأفراد، نجدهم يعترضون علي مساحات الأديرة التي تعود إلي القرن الرابع، أي قبل دخول الإسلام مصر. وإذا استطاعت الأديرة استصلاح أراض، فهو أمر يستوون فيه مع غيرهم، ويجب تشجيعهم وليس إثارة مشاعر الارتياب حولهم. ؟
بالمناسبة فإن إثارة مثل هذه الموضوعات يكشف عن تراجع منسوب التسامح في المجتمع، وتفشي ظاهرة التعصب، والمقارنات الطائفية التي لا معني لها. في كل الأحوال يتعين أن يكون هناك قانون ينظم بناء وترميم الكنائس علي نحو يمكن المسيحي من أداء شعائره الدينية، وهو ما ينص عليه الدستور، ولا ينبغي أن يقيد القانون نصا في الدستور يتضمن حرية أداء الشعائر الدينية.
متي يعود دور مدارس الأحد والجامع واستعادة التسامح بين نسيج الأمة؟
المنبر الديني ينبغي أن يكون لنشر التسامح والمحبة والقيم الدينية الصحيحة، والتي في جوهرها تنتصر للإنسان في علاقته الطيبة بأخيه الإنسان بصرف النظر عن الاختلاف في المعتقد الديني. المسيحية تحض علي ذلك، والإسلام كذلك. يعني هذا أن تنشر المنابر الدينية دعوة المحبة والتعاون والثقة والأمانة.
في مدارس الأحد يتعلم الطفل منذ نعومة أظافره القيم المسيحية، ولم يحدث أن تحولت إلي مجال لتعليم النشء ثقافة سلبية. وقد تعلمت مثلا مبادئ المواطنة، وحياة المشاركة، والتضحية من أجل الآخرين في قلب المؤسسة الكنسية. ليس فقط في العظات والدروس الروحية ولكن أيضا في الممارسة العملية. يكفي أن يذهب شخص لأي مكتبة مسيحية ليري كم الكتب التي أصدرتها أسقفية الشباب علي سبيل المثال تحث الشباب علي المشاركة، والمواطنة الحقة، وحب الوطن. وهناك كتاب للراحل الدكتور وليم سليمان قلادة تعلمناه منذ عقود اسمه "مدرسة حب الوطن"، نشرته الكنيسة، وتعلمه لأبنائها، فيه شرح لامتزاج الصلوات الكنسية بالروح المصرية الجميلة، الصلاة من أجل مصر طقس يومي يمارسه القبطي، وقصص الشهداء والقديسين المحبين لمصر أرضا وشعبا، نيلا وهواء، اليس في ذلك ممارسة عملية للمواطنة؟
وإستعادة ثقافة المحبة بين المصريين ليست صعبة إذا التزمت المنابر الدينية بنشر ثقافة المودة والمشاركة، ووقفت في وجه التشدد، وعرفت أن إسلامها ومسيحيتها بهما من السماحة ما يعلم المجتمعات الأخري بشرط أن نعود إلي الروح المصرية، وتعاليم الكنيسة، والفقه المصري الرحب، ولا نؤسس علاقاتنا بعضنا بعضا علي آراء دينية متشددة لم نعرفها سوي السنوات الأخيرة. ألم يكن المصريون مسلمون علي مدار أربعة عشر قرنا، لماذا يأتي اليوم من يعلمهم الدين والتدين؟
لماذا لا تقام مشروعات اقتصادية متكاملة تقوي علاقتنا معا مسلمين ومسيحيين؟
الامتزاج الاقتصادي يحمي المجتمعات من التبعثر لأنه ينشئ مصالح متبادلة يسعي الجميع للحفاظ عليها. وتجربة "طلعت حرب" في إنشاء بنك مصر، وما تمخض عنه من مشروعات تثبت ذلك بوضوح، فقد كان من المؤسسين مسلمون ومسيحيون ويهود مصريون التقوا جميعا علي نهضة مجتمعهم. الاقتصاد ينبغي أن يجمع ولا يفرق، ولكني أري الآن أراء تدعوه إلي أن يفرق حين يرفض صاحب مشروع أن يستعين بعاملين لا يشاركونه المعتقد الديني. وآلمني بشدة منذ سنوات حين ألحق صاحب محلات عبارة لطلب عاملين جدد كتب فيها "غير المسلمين يمتنعون"، هل هذا يصح في بلد تعرف التعددية الدينية منذ مهد التاريخ؟. وعندما تحدث أي مواجهة حضارية "كونية" مثل أزمة الرسوم الدنماركية التي استهجنها المصريون، مسلمين ومسيحيين، وجدنا من يدس أسماء شركات مملوكة لأقباط في قوائم المقاطعة الاقتصادية التي راجت وقتئذ رغم أن أصحابها لا علاقة لهم بالقضية المثارة لا من بعيد ولا من قريب. وكما أنكر علي المسلم أن لا يوظف لديه أقباط، أرفض أن يفعل الأقباط نفس الأمر، لأن الاقتصاد ينبغي أن يتسع لكل المواطنين، ولا يفرق بينهم. وأريد أن أري شراكات بين رجال أعمال مسيحيين ومسلمين، هي موجودة بالفعل، ولكن تعميقها يساعد علي نهضة المجتمعات وتقدمها. هذا هو المجتمع الطبيعي الذي يصنف الناس علي أساس مواقعهم الاقتصادية والاجتماعية وليس علي أساس انتمائهم الديني. فإذا كنت عاملا مسيحيا فالأقرب إليك- بحكم التعريف- عامل مسلم، وليس رجال أعمال مسيحي. والفقير المسيحي يعاني مثل الفقير المسلم، لا اختلاف بينهما، كلاهما يخوض "معركة الثلاث وجبات".
تعبير أقباط المهجر ماذا يعني ؟
لا أحبذ اختزال المجموعات البشرية في مصطلحات عامة. لا يوجد ما يسمي أقباط المهجر. هناك مصريون مسيحيون يعيشون في الخارج. غالبيتهم يعملون، ويمارسون حياتهم في المجتمع الذي يعيشون فيه،وهم حريصون علي مصريتهم، وثقافتهم الأصلية. وهناك إلي جانبهم مجموعة من النشطاء الذين يتبنون الدفاع عن الأقباط في مصر. وهؤلاء ليسوا فريقا واحدا، والاختلافات بينهم كثيرة وعلنية. منهم كثيرون وطنيون عقلاء يهمهم خير وطنهم، ويريدون دولة وطنية دستورية حديثة تحقق المساواة بين المواطنين، ومنهم نفر قليل يطلق تصريحات صادمة ومستفزة للشهرة الإعلامية، ولإثبات الحضور لا أكثر. مرة أخري هذه هي مسئولية الدولة أن تتواصل ليس فقط مع المسيحيين المهاجرين ولكن أيضا مع المسلمين في الخارج، مجتمعهم يبحث عن إسهاماتهم، وليس فقط فلوسهم، أتصور أنه سيكون لهم جميعا بصمة واضحة في بناء مصر.
تديين السياسة
تحدث لنا عن البابا شنودة والبابا كيرلس والبابا تاوضروس وكيف تراهم؟
الكنيسة لها رسالة إنسانية وفي عهد البابا كيرلس السادس، فقد كانت رئاسته للكنيسة في أوج الدولة الناصرية التي كانت تنهض علي مشروع وطني بصرف النظر عن رأي البعض فيه. إلتزمت الكنيسة وقتئذ برسالتها الروحية، وكانت الدولة بشكل عام تتعامل مع المشكلات ذات الطبيعة الدينية. أما في عهد الرئيس السادات فقد حدث "تديين للسياسة"، وسط مشروع سياسي واقتصادي مختلف تماما عما ساد في الستينيات، لم يكن ممكنا أن تصمت الكنيسة عن رسالتها في مواجهة التمييز وشعر الأقباط أن ثقافة محافظة متشددة تحاصرهم، وظهرت اجتهادات دينية لم تعرفها الخبرة التاريخية المصرية- تشكك في مواطنة الأقباط، وتطعن في عقيدتهم الدينية. هذه هي حقبة البابا شنودة، التي استطاع أن يكون خلالها من بناة الجسور، ويحمي النسيج الاجتماعي من التفسخ من خلال رعايته الكنسية المتشعبة للأقباط. لا نلوم الكنيسة بل اللوم في المقام الأول يوجه إلي الدولة التي لم تنتصر لقيمة المواطنة، والمساواة بين المواطنين، وعمقت بمواقفها وسياساتها الشروخ في العلاقة بين المسلمين والمسيحيين بل بذر نظام مبارك السابق بذور الشك فيما بينهم. إنني أشفق علي البابا تاوضروس الذي تسلم رعايته للكنيسة في زمن التحولات الجذرية. هي إرادة السماء أن يأتي شخص هادئ، عميق الفكر
هل تشعرون بقلق من الإخوان والسلفيين؟
هناك إشكاليات في علاقة التيار الإسلامي بالأقباط. بعضها نتيجة مواقف وفتاوي وآراء هذا التيار، وبعضها الآخر نتيجة عدم وجود حوار بينه وبين الأقباط في ظل نظام مبارك الذي ربط كل الأطراف بالنظام الأمني الذي كان سائدا، وقطع أواصر التواصل بينها. نظريا الأخوان المسلمون يختلفون عن السلفيين. هم وسطيون يعلنون أن المسلمين والأقباط شركاء في الوطن ومواطنون بينما التيار السلفي لديه آراء فقهية مغايرة تنال من مواطنة غير المسلمين. وبرغم ذلك لم يلحظ الأقباط، والمجتمع بأسره، اختلافات فيما بينهم في الحركة علي مستوي المجال السياسي. أعتقد أن الأخوان المسلمين بحاجة إلي مراجعة أنفسهم في ذلك، عليهم أن يميزوا أنفسهم فكريا، وسياسيا عن سواهم من التيارات الإسلامية حتي يستطيعوا أن يتواصلوا مع بقية أطراف المجتمع. بالطبع في أدبيات الأخوان المسلمين آراء تقلق الأقباط، لكن في عالم السياسة العبرة بالعمل علي أرض الواقع. ألحظ نموا وتطورا سريعا في صفوف التيار السلفي إزاء نظرته للقضايا السياسية نتيجة انخراطه في العمل السياسي رغم أنه كان يعزف عنه،
المواطنة الكاملة
ماهل مطالب الأقباط داخل مجلس الشوري؟
المطلب الرئيسي والمحوري للأقباط هو "المواطنة الكاملة"، يعني ذلك حقهم في تولي الوظائف العامة من أعلاها إلي أدنها دون تمييز، والتمثيل المناسب في الهيئات المنتخبة مثل البرلمان، وبناء وترميم الكنائس دون عوائق قانونية وبيروقراطية. وإذا كنا نتحدث عن هذه المشكلات قبل ثورة 25 يناير، فإن هناك مشكلات أخري ظهرت في الفترة الأخيرة نتيجة المناخ الاجتماعي المحافظ الذي صاحب صعود التيارات الإسلامية، وسعي البعض منهم إلي التضييق علي حريات المجتمع، ومن بينهم الأقباط إلي حد رفض بناء كنيسة، أو منع حفل يشارك فيه مسيحيون ومسلمون بالاناشيد والترانيم مثلما حدث في المنيا، الخ. ما أريد قوله إننا نريد أن نؤسس لعلاقات بين المسلمين والمسيحيين يسودها الود والانسجام والاحترام المتبادل، ولا أقبل أن يتطاول قبطيا علي الإسلام، لكني لا أقبل بالقدر نفسه التسامح أو التستر مع من يتطاول علي المسيحية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.