أسرة الشهيد خالد الوكيل تعيش مع ذكراه بين السماء والارض حلقت ارواح شهداء ثورة يناير ترقب بحسرة احوال مصر في عيد الاضحي الثاني بعد الثورة.. ويتساءلون: هل فقدنا حياتنا وأورثنا اهالينا الحزن والغم حتي في ايام العيد ليظل من أزهق أرواحنا حرا طليقا ينعم بحياته كأن يديه لم تلوث بدمائنا. فمن يأخذ ثأرنا ويطفيء النيران المشتعلة في قلوب الاهل والاحباب ومن يرسم فرحة العيد علي وجوه أطفالنا الذين افترسهم الحزن واليتم؟! اين المستقبل الذي حلمنا به لمصر؟.. وهل اسقطنا دولة الظلم والفساد بأرواحنا، لتقوم علي انقاضها دولة الفوضي والاطماع الحزبية والسياسية والمطالب الفئوية؟ »أخبار اليوم« من خلال هذا التحقيق تعيش مع اهالي الشهداء اول ايام العيد.. ورصدت كيف يقضون أوقاتهم بين لوعة الاشتياق للأحباب الذين رحلوا ولم يعودوا، وبراكين الغضب الكامنة في الصدور لعدم القصاص لأرواحهم الطاهرة؟! يقول سمير احمد سعدون، والد الشهيد ابراهيم وموجه اللغة الانجليزية: فرحة العيد رحلت برحيل ابني ابراهيم، وكان لدي ولد وبنت وابراهيم وعندما استشهد فقدت ضلعاً أساسياً في مثلث حياتي ويتذكر سمير بمشاعر الألم والحيرة والحسرة ابنه ابراهيم »81 سنة« الطالب في الجامعة العمالية بالفرقة الثانية والذي خرج الي المظاهرات سعيا الي تغيير أوضاع مصر للافضل ولكنه لم يعد الي البيت، حتي ظهر السبت الموافق 92 يناير 1102ويقول: قرأت في شريط الأخبار عن وجود جثث مجهولة بمستشفي الدمرداش ودار في ذهني خاطر مؤلم، هل يكون ابني من بينهم؟.. وهنا طلبت من خالد ابني الأكبر أن يذهب للاستفسار في المستشفيات ويبدأ بمستشفي المطرية الأقرب لمسكننا.. وبعد قليل جاءني الخبر المؤلم عندما تعرف ابني علي جثة أخيه، وكان التقرير الطبي يؤكد وجود طلق ناري حي في القلب والجهة اليسري من مسافة لا تتعدي المتر.. ولا املك وانا اتذكر ابني الشهيد إلا قول الله تعالي »ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون« فرحة غريبة ومع أسرة الشهيد غريب عبد العال تظل الفرحة بالعيد غريبة علي عيون اطفاله، الولد 7 سنوات والبنت 3 سنوات، تركهم غريب لعله يضمن لهم مستقبلا اكثر اشراقا من ماض عاش فيه.. وذهبت زوجته الي الحج كما اخبرنا شقيقه ياسر الذي قال ان زوجته تدعو له ولكل الشهداء وكان ذلك في وقفة عرفات التي ابتهل فيها المسلمون بعد ان افاضوا من عرفات بدعاء علي كل ظالم. الدم الحامي ويتذكر ياسر شقيق الشهيد غريب واقعة استشهاده يوم جمعة الغضب.. قائلا: كان غريب ابن بلد دمه حام وعندما كان يجلس علي المقهي مع اصدقائه شاهد في الفضائيات الممارسات الوحشية من جانب قوات الامن ضد المتظاهرين، خصوصاً التحرير والأربعين في السويس وصاح في أصدقائه قائلاً: أنتم مستينيين إيه؟ وترك زملاءه وعاد الي بيته ليودع اهله حيث استشهد ولم يدخل البيت مره اخري وعن تفاصيل استشهاده يقول ياسر: ذهب غريب واصدقاؤه الي ميدان المطرية وامام هجوم الأمن علي المتظاهرين، تفرقوا وسط كثافة من دخان قنابل الغاز التي اعمت الأبصار ليجد غريب نفسه في مواجهة احد رجال الامن الذي صوب سلاحه الميري نحو صدره لتخرج رصاصتان كتبتا نهاية غريب.. وأنا الان في عيد الاضحي احاول ان اعوض اطفاله الصغار عن فقدان والدهما. ضاع الحلم كل عيد وانت واحشني هذا ما قاله احمد شقيق الشهيد محمود رمضان نظير.. وحاول ان يبدو متماسكا وهو يحكي قصة استشهاد شقيقه قائلا: العيد فقد بريقه وفرحته منذ استشهاد اخي التوءم، فقد كبرنا معنا والتحقنا بالمدرسة معنا، وكان حلمنا الالتحاق بالجامعة، ولكن بسبب الظروف المادية الصعبة اكتفينا بالحصول علي مؤهل متوسط، وبعد أن انتهينا من الخدمة العسكرية، خرجنا نحلم بالوظيفة والزواج، ولكن ضاع الحلم في الوظيفة بسبب البطالة وعدم وجود واسطة، فما كان من والدي إلا أن اشتري لنا بالمكافأة التي خرج بها بعد سنوات طويلة من العمل »توك توك« لنكسب رزقنا من خلاله واعتقدنا ان الحياة تصالحت معنا، وكان أمناء الشرطة يقفون لنا في »الرايحة والجاية« ويهددونا بالقبض علينا ومصادرته لو لم ندفع لهم الإتاوة ومن وقتها كان محمود يشعر بالظلم الكبير، وعندما قامت الثورة سارعنا بالمشاركة فيها برغم اعتراض والدي، الذي حاول منعنا خوفا علينا وكان يطلب منا المشي جنب الحيط ولكننا شاركنا في المظاهرات، وفوجئت بمن يقول لي إن شقيقي أصيب وذهبنا به الي مستشفي الزيتون التخصصي، وكانت المفاجأة التي أعلن عنها الأطباء أن محمود مصاب بطلقة في البطن مزقت معدته وأخري في الحوض، بينما أصبت انا بطلق ناري اخترق صدري وتم ادخالنا غرفة العمليات وأخرجت الرصاصة من جسدي، بينما أجريت 3 عمليات لمحمود الذي ظلت حالته تسوء، وبعد 01 أيام ساءت أكثر فتم نقله للعناية المركزة، وظل بها 02 يوما حتي لقي ربه شهيدا يوم 72 فبراير وكل ما اريده هو القصاص ثم القصاص. حزن فخور اما محمد الوكيل والد الشهيد خالد فيقول: أشعر بالحزن علي ابني مع كل عيد لكن حزني مطعم بالفخر.. ويضيف والدموع تملأ عينيه: أتذكر مشهد جلوسه معي علي احدي المقاهي للتحدث عن ثورة الشباب.. فقلت له: انت يا ابني هتعمل فيها أحمد عرابي؟.. فقال: وإيه يعني لما أموت.. وكأنه كان يشعر بأنه يعيش أيامه الأخيرة.. ويستكمل قائلا: لم اعد اشعر بحلاوة العيد. وقد كان محمد طالبا في الصف الثالث الثانوي العام ويعشق التمثيل حيث كان عضوا في فريق عمل مسرحية »قهوة سادة« واستشهد يوم جمعة الغضب بعد إطلاق القناصة النار عليه وهو يساعد صديقه المصاب، بعد أن صور بعض لقطات تفضح وحشية الشرطة والبلطجية عبر »الموبايل«. ويصرخ والد الشهيد قائلا: لا اجد مبررا للإفراج عن قتلة شهداء المطرية الذين يصل عددهم الي 32 شهيدا برغم أن هناك العديد من الأدلة التي تدينهم، وأسر الشهداء لن يهدأوا إلا عندما يتحقق القصاص العادل الذي يريح قلوب أسر شهداء المطرية.. وطالب بضرورة الاهتمام بأهالي الشهداء وهذا لا يعني رغبتنا في الحصول علي تعويضات من صندوق الشهداء الذي يتعرض لعملية نهب منظمة ولكن بالقصاص وان نجد من قتل اولادنا قد نال الجزاء العادل. الزيارة الأخيرة ونختم جولتنا بقصة للشهيد طارق الذي خرج من منزله في زيارة للمقابر التي دفن فيها والده قبل عشرة أيام من ثورة 52 يناير، ولم يكن يدري أن زيارته لوالده هي الأخيرة، وأنه بعد ايام قليلة سيرافقه للأبد. وقد شارك طارق في المظاهرات، وتلقي رصاصتين في القلب والجهة الأخري من الصدر، ومات شهيدا في مستشفي المطرية.. تقول والدته: لن تهدأ ثورتي حتي يأتي القصاص العادل.. وتبكي قائلة: الزهور البريئة أولاد الشهيد طارق زياد وحبيبة وفرح مازالوا يحلمون بوالدهم ليل نهار فقد كان الحضن الدافئ الذي يرون فيه الأمل والمستقبل.