لم تلتهم حرائق الأيام الماضية في الرويعي والغورية الممتلكات فقط، بل كشفت عن أوجه قصور فادحة. فقواعد الأمن الصناعي غائبة، والمخالفات بالجملة، والإهمال هو البطل. ليت الأمر اقتصر علي ذلك، فقد اجتمعت كل هذه السلبيات لتصب في قلب المشكلة الاكبر، وهو تداخل الأسواق الكبري مع المناطق السكنية. مما جعل الخبراء يحذرون من كوارث مستقبلية إذا لم يتم تدارك هذه المنظومة من الأخطاء. الغريب أن المسئولين لم يكتفوا بالتبريرات المضادة، بل أعلنوا انهم يقفون عاجزين، فعند إغلاق ورشة لارتكابها مخالفات، يقوم صاحبها بإعادة فتحها في اليوم التالي بعد سداد الغرامة التي حددها القانون. في جولتها بمنطقة التوفيقية رصدت «الأخبار» حالة العشوائية التي تهدد المنطقة بالكامل. تجمعات الباعة تحتل الشارع، ولا توجد حنفية حريق واحدة ظاهرة للعيان. وعندما سألنا مصطفي «بائع» اذا حدث حريق كيف السبيل للانقاذ خصوصا ان السوق يضم مواد مشتعلة مثل قطع الغيار واكسسوارات السيارات؟ لم يعلق وقال ربنا يسترها!! وأكد أيمن «أحد التجار» أنه اذا حدثت كارثة داخل السوق فمن المستحيل أن تدخل سيارة الاسعاف نظرا لأن الدخول مقصور علي المشاة فقط. وطالب رئيس الحي بإعادة دراسة السوق بصورة عاجلة.. وفي ميدان الجيزة الامر لم يختلف الامر فقد انتشرت ورش تصليح السيارت بطول وعرض الشوارع الجانبية في مشهد ينذر بكارثة، فداخل كل ورشة العشرات من الأنابيب التي يتم استخدامها في لحام السيارات واصلاحها بالاضافة الي انتشار المازوت في مشهد يدعوك للتساؤل: اين اجهزة الدولة من تلك المخالفات الجسيمة؟ المواطنون فاض بهم الكيل من هذه الفوضي ورغم الشكاوي المتكررة الا أن المسئولين رفعوا شعار « شاهد ما شفش حاجة «.. ويؤكد عبد الرحمن زهران «موظف بالمعاش» ان هناك أخطارا عديدة يسببها تواجد هذه الورش وسط الكتلة السكنية ومنها أخطار الحريق. وتري اميمة حسن «مدرسة» أن الحي لا يسعي إلي حل هذا الوضع المتردي للمنطقة التي عانت سنوات طويلة بسبب مشاكل الحي، واضافت أن كل ما يفعله الحي هو المرور علي اللافتات المعلقة علي المحلات في الشوارع الرئيسية قبل مرور المسئول بوقت كاف. إحكام السيطرة وعن دور رجال المحليات في مراقبة هذه المنشآت والاجراءات التي تتخذها لدرء الخطر يؤكد اللواء قدري ابو حسين خبير الادارة المحلية « أن وسائل الحماية المدنية والأمن الصناعي.. «حبر علي ورق»، واضاف أنه لا بد من متابعة شروط الحماية المدنية قبل الترخيص وشدد علي عدم منح الترخيص إلا بعد التأكد من تحقق شروط السلامة.. وعلي المراقبين والمشرفين ان يحكموا السيطرة والرقابة والتواجدات العشوائية، وأضاف: لابد من تطبيق القانون علي المخالفين لاننا ندفع الثمن غاليا. في القاهرة الغالبية العظمي من المحلات مخالفة ولاتتبع وسائل الحماية المدنية يبقي السؤال: اين المسئولون عن الرقابة علي الاسواق العشوائية؟ ويتطرق اللواء احمد تيمور القائم باعمال محافظ القاهرة إلي مشكلة خطيرة، حيث يؤكد أن المخالف الذي يتم غلق محله وتشميعه يقوم بعد يوم واحد من الغلق بدفع غرامة 100جنيه ويعود من جديد لممارسة عمله المخالف.. وأضاف أن منطقة وسط البلد كلها من العقارات الاثرية والتاريخية التي بنيت بالاخشاب والطوب اللبن وحدوث حريق يعني هلاك هذا الاثر وضياع جزء كبير من تاريخ مصر، وأشار إلي ان التراخيص تشترط توافر شروط الامن والسلامة للمنشأة، وتقوم لجان من الاحياء بالمرور ومراجعة المحلات والتحقق من توافر الشروط مضيفا ان عددا كبيرا من اصحاب المحلات يقومون بتحويل الشقق الي مخازن دون إخطار أحد، والنتيجة دائما تنتهي بكارثة، وأعلن أنه يتم الآن حصر الشقق السكنية التي تم تحويلها لمخازن، لدرء أي أخطار متوقعة. ويؤكد الدكتور اسماعيل طه محافظ دمياط ان المحافظة علي استعداد تام لمواجهة الحرائق، حيث تم السيطرة علي الحريق الذي نشب بشركة بيع المصنوعات برأس البر خلال دقائق، وأضاف ان المحافظة قامت بحملات مكبرة لغلق المنشآت غير المرخصة التي تعمل في مجال بيع المواد المشتعلة مثل « البويات « وتم غلق المنشآت المخالفة، مشيرا الي ان هناك خطة واضحة بدأها منذ استلام عمله تهدف لنقل الاسواق الي خارج الكتلة السكنية لمنع حدوث أي حريق. الأزمة في التراخيص من جانبهم يحلل خبراء الأمن ما يحدث فيؤكد اللواء طارق حماد مساعد وزير الداخلية الأسبق أن أسباب انتشار الحرائق في الفترة الماضية تعود الي عدة اسباب أهمها موافقة الأحياء علي الترخيص لمنشآت متنوعة في شوارع لا يتعدي عرضها مترين بالاضافة الي أن هذه المنشآت مثل المخابر ومحلات الفول والطعمية لا ينبغي أن تحصل علي تراخيص لأنها تقع داخل الكتلة السكنية، وفي حال اشتعالها تتحول الي كتلة لهب، أما السبب الثاني فهو ان المحلات والمنشآت التي حصلت بالفعل علي ترخيص ليس لديها نظام امني متكامل للحماية المدنية بل تقوم المنشآت الكبري بعمل منظومة امان لا تتعدي تكلفتها 50 الف جنيه في المنشآت الكبري رغم انها يجب أن تتكلف مليون جنيه ويضيف اللواء ايهاب يوسف الخبير في ادارة الازمات انه لابد من انشاء هيئة لادارة الازمات في كل مؤسسة حكومية وأشار إلي ان السبب وراء كارثية الحرائق في مصر انه لا توجد صيانة لنظم الأمن والسلامة ولا توجد متابعة أو رقابة حقيقية، فكل صاحب مصنع او ورشة لا يهمه سوي الحصول علي الترخيص ولكي يحصل علي ترخيص يقوم بتركيب نظم أمن وسلامة غير ملائمة. ويؤكد أن تكلفة المنظومة الملائمة لمصنع علي مساحة 1000 كم، تتراوح بين مليون ونصف إلي مليوني جنيه متضمنة ثمن طلمبات الحريق ورشاشات المياه وأجهزة الإنذار، لكن بعض أصحاب المصانع (يسترخص) ويقوم بعمل منظومة ب100 ألف جنيه، دون أن يعلم أنه يعرض نفسه للمساءلة القانونية إذا استطاع الدفاع المدني إثبات عملية التحايل.