اعادت مكتبة الاسكندرية إصدار مختارات من التراث الإسلامي الحديث في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين التاسع عشر والعشرين الميلاديين، وهو عمل جاد ومثمر يمكن للعام والخاص الاستفادة منه، إذ لأول مرة يتم عمل دراسات تقديمية موسعة لكل كتاب، يقوم بها باحثون متخصصون من جيل الشباب في محاولة ذكية من مسئولي مكتبة الاسكندرية لترسيخ التواصل بين الاجيال.. وقامت لجنة علمية متميزة بمناقشة هؤلاء الباحثين ومراجعة دراساتهم كما دخلت معهم في حوارات علمية رصينة تضم كاتب التقديم ونظراءه من فريق الباحثين. ومن بين كتب التراث النهضوي الإسلامي التي تمت إعادة نشرها وتوثيقها وتقديمها أعمال شريعتي »العودة إلي الذات« ومحمد مصطفي حلمي »الحياة الروحية في الإسلام«، والطاهر الحداد »امرأتنا في الشريعة والمجتمع«، وعبدالعزيز جاويش »الإسلام دين الفطرة والحرية« ونبوية موسي »المرأة والعمل« ومصطفي عبدالرازق »تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية« وعلاء الفاسي »دفاع الشريعة« والطاهر بن عاشور »مقاصد الشريعة الإسلامية« ومحمد إقبال »تجديد الفكر الديني في الإسلامي« وعبدالرحمن الكواكبي »طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد«، ومحمد باقر الصدر »المدرسة الإسلامية« وعلي عبدالرازق »إسلام واصول الحكم«، وخير الدين التونسي »أقوم المسالك في معرفة احوال الممالك«، وعبدالمتعال الصعيدي »الحرية الدينية في الإسلام« ومحمد الغزالي »السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث« وأتفق تمام الاتفاق مع الاستاذ إسماعيل سراج الدين مقدم السلسلة في أن غياب هذا القسم من التراث النهضوي الإسلامي ربما كان سببا من أسباب تكرار الاسئلة نفسها التي سبق ان اجاب عنها أولئك الرواد في سياق وقعهم الذي عاصروه. وربما كان هذا الغياب ايضا من اسباب تفاقم الازمات الفكرية والعقائدية التي يتعرض لها أبناؤنا من الاجيال الجديدة داخل مجتمعاتنا العربية والاسلامية وخارجها. ويكفي ان نشير إلي أن اعمال امثال: محمد عبده، والافغاني، والكواكبي، ومحمد إقبال، وخير الدين التونسي، وسعيد النورسي، ومالك بن نبي، وعلال الفاسي، والطاهر بن عاشور، ومصطفي المراغي، ومحمود شلتوت، وعلي شريعتي، وعلي عزت بيجوفيتش، وأحمد جودت باشا وغيرهم لاتزال بمنأي عن أيدي الاجيال الجديدة من الشباب في أغلبية البلدان العربية والاسلامية، فضلا عن الشباب المسلم الذي يعيش في مجتمعات أوروبية أو أميركية، الأمر الذي ألقي علي مكتبة الاسكندرية عبئا مضاعفا من اجل ترجمة هذه الاعمال وليس فقط إعادة نشرها بالعربية وتيسير الحصول عليها »ورقيا والكترونيا«. إن هذا المشروع يسعي للجمع بين الاحياء والتجديد، والابداع والتواصل مع الآخر، وليس الاهتمام بهذا التراث إشارة إلي رفض الجديد الوافد علينا، بل علينا ان نتفاعل معه، ونختار منه ما يناسبنا، فتزداد حياتنا الثقافية ثراء، وتتجدد افكارنا بهذا التفاعل البناء بين القديم والجديد، اسهاما في التراث الانساني المشترك، بكل ما فيه من تنوع الهويات وتعددها. وأعاين كأستاذ للعلوم السياسية المقارنة والعلاقات الدولية في الجامعة هذا المشكل مع طلبتنا، اذ ان كتابات رواد التنوير والإصلاح في الفكر الإسلامي خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين بعيدة عن متناولهم، فيسود الانطباع السيئ عندهم بأن الاسهامات الكبيرة التي قام بها العلماء والمفكرون من البلدان العربية والإسلامية قد توقفت عند فترات غابرة، كبر - منذ زمن بعيد - أربعا علي وفاتها. في الجامعات الغربية نري كيف ان فقهاء القانون الدستوري ومدرسة العلوم السياسية يستوعبون من رواد الفلسفة والقانون دروسا نقدية تعطي لطلبتهم ليس علي وجه الاتكاء والاستسلام ولكن كوسيلة لإعمال النقد التحليلي والنقد لبناء عقول متميزة و استلهام الدروس النيرة لبناء المجتمعات الحديثة.. وانصح دائما طلبتي بأن يكونوا في العصر الرقمي »فئران المكتبات« دون اغفال المكتبات »الرقمية« ولكن عليهم انتقاء ما تجود به قريحة الكتاب الكبار والمراجع المعتمدة التي تفتح ذهن الطالب وتدخله في رياضة إما ردا لا قدحا أو مساندة ومدحا أكاديميا، وإما معالجة جوهرية لها.