كشفت أزمة عمال مصنع سيراميكا كليوباترا بالسويس ومطالباتهم الفئوية المستمرة عن خلل شديد في العلاقات بين أصحاب الأعمال والعمال، حيث تبين عدم وجود قوانين واضحة تحدد هذه العلاقات، والتزامات وواجبات كل طرف لدي الآخر، كما كشفت الأزمة عن سابقة خطيرة وهي منع رجل الأعمال صاحب المصنع من السفر، وهو ما لايحدث في أي دولة بالعالم، لأن الدول تشجع الاستثمار، وتعمل علي منحه مزايا، وهذا الاجراء يعرقله، ويبعث برسالة سلبية لأي رجل اعمال مصري أو أجنبي، معناها انك مهدد بالمنع من السفر في حالة وجود قضية عمالية! وفي هذا الاطار يري رجل الأعمال ورئيس نقابة المستثمرين محمد جنيدي أن المشاكل بين العمال وأصحاب الأعمال لن تنتهي إلا باقرار قانون جديد للعمل يحمي حقوق طرفي علاقة العمل، ويوازن بين واجبات كل من العامل وصاحب العمل، ويمنح كل منهما الامتيازات التي تتفق مع هذه الواجبات، حتي لا يطغي أي طرف منهما علي الآخر، فالتوازن القانوني في العلاقة بين طرفي العمل سيحقق مصالح الطرفين الذين لا يستطيع أحدهما الاستغناء عن الآخر، لأنهما مكملان لبعض، صحيح أن المصنع يمكنه أن يوجد بديلا للعمال من خلال البحث عن عمال غيرهم، أو بالاعتماد علي الآلاتالات وماتيكية مثل الانسان الآلي لتصنيع السلع والأجهزة الكترونيا، مما يقلل الاعتماد علي العنصر البشري، لكن رجل الأعمال الوطني لا يقبل علي هذه الخطوة، لأنه يحمل رسالة بجانب عمله، وهي توفير فرص عمل لأبناء وطنه، للمساهمة في مكافحة مشكلة البطالة. وعن سابقة منع النائب العام لرجل الأعمال محمد أبو العينين من السفر بسبب خلافاته مع عمالهن يقول محمد جنيدي أن رجل الأعمال والمستثمر " روحه في السفر، لانه يبحث دائما عن الجديد في مجال أعماله أو مصنعه، ليستطيع مواكبة التطور التكنولوجي في الصناعة، بالاضافة لحاجته للسفر لمتابعة اعماله مع الموردين والوكلاء والمتعاملين معه، مضيفا أنه عاني من المنع من السفر علي مدي 9 سنوات وهو ما تسبب في زيادة مشاكله وتعثره، قبل أن يعود مؤخرا للوقوف علي قدميه مرة أخري. ويتفق معه في الرأي المهندس هشام جزر وكيل المجلس التصديري للجلود مؤكدا أن منع رجل أعمال من السفر لخلافات عمالية خطر داهم علي الاقتصاد القومي، لأنه يجعل المستثمرين سواء المحليين أو الأجانب يحجمون عن الاستثمار في البلد التي تمنع سفر المستثمرين في مثل هذه الخلافات، كما تجعل أي رجل أعمال يفكر عدة مرات قبل ان يقدم علي ضخ أي استثمارات جديدة في السوق. ويضيف جزر أنه لا يجوز في أي دولة بالعالم وبأي شكل من الأشكال منع رجل أعمال أو مستثمر من السفر بسببب خلافات بين الادارة والعمال، بصرف النظر عن نوع وأسباب الخلاف سواء كانت مبررة أو غير مبررة، لأن المنع من السفر يثير قلق رجل الأعمال أو المستثمر، ولذلك يجب أن يكون هناك تعامل قانوني يحكم التعامل بين العامل وصاحب العمل، ليقوم كل منهما بمسئولياته، فالعلاقة القانونية بين العامل وصاحب العمل يجب ان تكون واضحة المعالم، تحدد مسئولية وامتيازات كل طرف، كما يجب أن تسود مجموعة من القيم والمبادئ بين طرفي علاقة العمل، ليلتزم بها كل منهما، خاصة الاتفاقيات المبرمة بين الطرفين من خلال نقابات العمال، وتحت مظلة وزارة القوي العاملة، ولو تم الالتزام بهذه المبادئ سيتبادل طرفا العمل الاحترام، وإذا نشبت خلافات بينهما يكون من حق وزارة القوي العاملة والنقابات العمالية التدخل لتتولي عملية التوصل لحلول قانونية للحفاظ علي العمال من ناحية، وعلي رءوس الأموال المستثمرة في البلد من ناحية أخري، حتي لا يتم ذبح الفرخة التي تبيض ذهبا، وهي الكيان الاستثماري الذي يجب أن نلتف حوله جميعا، وهذا النهج هو ماقامت به تركيا قبل أن تبدأ نهضتها الاقتصادية، حيث تم وضع قواعد واضحة وتشريعات قانونية حددت العلاقات بوضوح بين أصحاب الأعمال والعمال، وتم تشكيل لجان لبحث أي مشكلة أو معوق للاستثمار، ووضع حلول لها، فمثلا لو تم فصل عامل، تقوم اللجنة بفحص ودراسة أسباق هذا الفصل، وإذا تبين أن الفصل تعسفي يتم اعادة العامل لعمله، واعطائه جميع حقوقه، أما اذا كانت أسباب الفصل سليمة، لا تتم اعادته، ولو كان الفصل بسبب خطأ ارتكبه يتم معاقبته. و يقول د.هاني قسيس مؤسس جمعية" الصناع المصريون" أن ما نعيشه من مظاهرات فئوية داخل القطاعين العام والخاص يأتي نتيجة الكبت والقهر الذي عاشه الشعب المصري طيلة الثلاثين عاما الماضية من قهر وتحريم للتظاهر مشيرا الي أن خروج العامل للتظاهر هو حق مكفول له وتحميه الدولة والقانون وذلك في حالة ثبوت أحقيتة في التظاهر، أما ما هو عكس ذلك فهو بذلك يتسبب في تدمير مستقبل عشرات الآلاف من الأسر التي تعتمد في دخلها اليومي علي الناتج من هذه المنشأة . وأضاف قسيس أن الصانع يواجه حاليا العديد من المعوقات التي قد تجعله في نهاية الامر لا يستطيع تدبير مرتبات العاملين بشركتة، ومن بين تلك المعوقات تعطيل الانتاج بشكل غير مبرر. ويتفق معه في الرأي د.وليد هلال رئيس جمعية الصناع المصريون ورئيس المجلس التصديري للصناعات الكيماوية قائلا أن ما تعيشه مصر في الوقت الحالي "مأساة" وخاصة في مجال الصناعة، موضحا أن الناتج القومي في انخفاض وتدهور شديد نتيجة المظاهرات والاعتصامات اليومية للعمال، والتي ينتج عنها توقف حركة الانتاج وضياع الأسواق الخارجية التي تدر علي خزينة الدولة ملايين الدولارات، وأشار هلال إلي أن الدولة لم تقم خلال أكثر من عام ونصف بانشاء مشروع واحد يوفر فرص عمل، ولم يتوسع القطاع الخاص في استثماراته، ولم تدخل البلاد استثمارات أجنبية، وكل ذلك يؤدي الي زيادة معدل البطالة في مصر، مشيرا الي تخرج أكثر من 600 ألف طالب سنويا، ولم يتوافر لهم علي مدار عامين فرص عمل تستوعبهم. وطالب رئيس المجلس التصديري للصناعات الكيماوية الحكومة القادمة بوضع خريطة استثمارية، وأن تعمل علي الاسراع بتنفيذها للحد من البطالة، وفتح أسواق متنوعة في سوق العمل تعمل علي القضاء علي ظاهرة الاعتصامات التي باتت شبه يومية، وتسببت في تأخر اقتصاد مصر.