بعد ساعات قليلة تنطلق المرحلة الثانية من الانتخابات التمهيدية للحزبين الجمهوري والديموقراطي، في ولاية نيوهامبشاير شمال شرق الولاياتالمتحدة، حتي يستقر كل حزب علي المرشح الذي سيمثله في الجولة النهائية التي ستجري في 8 نوفمبر المقبل. الهدف من هذه العملية الديموقراطية الطويلة والمعقدة هو معرفة رأي الناخب الأميركي، ولاية بعد ولاية، ومدينة بعد مدينة، ومقهي بعد مقهي.. مشهد تصفه ليبي كوبلاند، الصحفية بجريدة واشنطن بوست، بقولها: «في الكافيهات تُصنع الديمقراطية الأميركية. يجلس أميركيون يشربون قهوة الصباح، ويمر عليهم مرشحون، وصحفيون، وكاميرات تلفزيونية، وباحثو استطلاعات رأي، واستراتيجيون، وفضوليون، يسألونهم عن آرائهم في المرشحين وفي سياساتهم». كانت المرحلة الأولي قد جرت في ولاية آيوا الريفية، الواقعة في الغرب الاوسط للولايات المحدة، وأسفرت عن فوز المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون علي زميلها في الحزب بيرني ساندرز بنسبة 49.8 %، وبفارق ضئيل لم يتجاوز 0.2 % عن ساندرز. وعلي صعيد المعسكر الجمهوري حقق تيد كروز، السناتور عن ولاية تكساس، فوزاً ثميناً علي منافسه المثير للجدل الملياردير دونالد ترامب، بواقع 28% من الأصوات مقابل 24% لترامب، بينما حل ماركو روبيو، السناتور عن ولاية فلوريدا، ثالثاً ب23 %. في المعسكر الديموقراطي، وفي نقاش شهدته جامعة نيوهامبشاير وقع تراشق بين هيلاري وساندرز، حيث أدان الأخير «علاقاتها مع كبريات البنوك في وول ستريت»، واصفاً هيلاري دون أن يُسميها ب«مرشحة المؤسسات»، في إشارة إلي ابتعادها عما يأمل فيه الناخب الأمريكي وتقربها المستمر لدوائر رجال المال والأعمال وهو ما ردت عليه هيلاري بحدة موجهة حديثها إلي بيرني رأساً: «إن كان لديك شيء ما تريد قوله، أفصح عنه مباشرة.. كفاك تلميحات خبيثة»، وطعنت هيلاري خصمها بتلميح مشابه، مفاده: «لم يحدث أبداً أن غيرت صوتي مقابل مبلغ من المال»، وتشير استطلاعات الرأي في أوساط الديموقراطيين إلي أن ساندرز يتفوق علي هيلاري في نيوهامبشاير المجاورة لفيرمونت التي شهدت مولوده. في المعسكر الجمهوري، كانت خيبة أمل جيب بوش كبيرة، بهزيمته المُنكرة في آيوا، حيث حصل علي 2،8% فقط من إجمالي الأصوات، رغم إنفاقه 15 مليون دولار علي حملته الدعائية، علماً بأن شقيقه الرئيس السابق جورج دبليو بوش كان قد حصل في نفس الولاية علي المركز الأول إبان انتخابات عام 2000، وبات جيب، الذي شغل آنفاً منصب حاكم فلوريدا، في موقف حرج للغاية بتقدم تلميذه ومساعده سابقاً ماركو روبيو عليه بفارق كبير من الأصوات، ومنذ إعلان نتائج آيوا تمارس الإدارة المركزية للحزب الجمهوري ضغوطاً عنيفة علي جيب بوش، وكريس كريستي حاكم ولاية نيوجيرسي، وكذلك جون كاسيتش حاكم ولاية أوهايو، لإجبارهم علي الانسحاب لصالح روبيو، حيث يمثلون جميعاً الجناح المعتدل في الحزب، بهدف إيقاف تفتيت الأصوات والاصطفاف خلف روبيو في مواجهة المرشح الجامح دوماً دونالد ترامب، وتيد كروز المحسوب علي حزب الشاي Tea Party المعروف بالمواقف الاكثر تشدداً عن النهج العام للجمهوريين. وقد استطاع روبيو بقدراته كخطيب مفوه وقدر مقبول من الانتهازية السياسية، تحقيق المفاجأة في الجولة الأولي، من خلال اللعب علي تناقضات كروز وترامب، لا سيما الأخير الذي كانت كل الاستطلاعات تصب لصالحه، وكتب روث ماركوس في افتتاحية واشنطن بوست: «نتائج آيوا وضعت روبيو في موقف قوة، حيث ميز نفسه عن جموع المرشحين وأثبت قدرته علي مواجهة كروز وترامب في آن واحد.. أري أن روبيو هو الفائز الحقيقي في الجولة الأولي». روبيو يدخل جولة نيوهامبشاير بأعصاب أكثر هدوءًا عن منافسيه، فمن المعروف عن الولاية توجهاتها الليبرالية، وهو ما يعني ضعف حظوظ كروز المولود لأب قسيس والمدعوم من المؤسسات الإنجيلية، أما ترامب فعليه تحقيق فوز كاسح- وهو ما يستبعده الخبراء - لتعويض هزيمته في آيوا وإلا فإن مسألة ترشيحه ستكون برمتها علي المحك.