منذ أن تبني والي مصر "محمد علي" في عام 1821 إصدار أول جريدة وهي "الجرونال الخديوي"، والذي أصبح في عام 1828 "الوقائع المصرية" وهي الجريدة الرسمية للدولة المصرية، تعرضت الصحافة علي مدي تاريخها الطويل لموجات من المد والجزر بين حرية هامشية و"تعليمات" عليا فرضتها محاولات سيطرة الحاكم عليها باعتبارها احدي أدوات الحكم، ومن خلال استفتاء شعبي عام 1979 وافق الشعب علي أن تكون الصحافة سلطة رابعة بجانب السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية أعقبه إصدار تشريع جديد ينظم كل أمور الصحافة، وينقل ملكية الصحف إلي مجلس الشوري، وتشكيل المجلس الأعلي للصحافة ليكون الجهاز المهيمن علي الصحافة المصرية والمشرف علي شئونها. والآن بعد تجارب وصلت بنا إلي وضع مرتبك وملتبس في شأن الصحافة والاعلام كله، أصبح فك الارتباط بين الصحافة ومجلس الشوري هو الطريق الوحيد المضمون لتحرير الصحافة وتحويل المؤسسات الصحفية إلي مؤسسات للنفع العام تحت اشراف هيئة مستقلة عن كل سلطات الدولة، لأن الأزمة الحالية بين مجلس الشوري والصحافة المصرية ليست في حقيقتها أزمة وضع معايير لاختيار قيادات صحفية جديدة فقط، ولكنها أزمة تاريخ طويل من التحكم في مقاليد الصحافة الرسمية وافساد مهمتها ومحاولات اخضاعها لهوي الحزب الحاكم، واصابتها بشيخوخة مهنية وفكرية ساهمت في تأخرها ووأد مهارات وإمكانيات عظيمه تمتلكها، وتجريف أصول مالية وكفاءات محترمة لصالح المحسوبين علي الحزب الحاكم! التحدي الحقيقي الذي يواجه الصحافة الآن هو اصلاح المنظومة بأكملها ماليا وإداريا ومهنيا، والبداية يجب أن تكون من الدستور الذي يجري وضعه الآن حتي يتضمن المواد الدستورية المقترحة بشأن حرية التعبير والصحافة والإعلام والمعلومات والتنظيم النقابي التي تم اقرارها من مجلس نقابة الصحفيين والتي تنص علي أن تكون حرية التعبير والرأي والصحافة والإعلام مصونة، وتكون الصحافة سلطة رابعة شعبية مستقلة عن جميع سلطات الدولة، ويكون للصحفيين والإعلاميين الحق في الحصول علي المعلومات والبيانات من مصادرها الأصلية، ومباشرة عملهم بحرية في مواقع الأحداث.