طارق حبيب اللعب بالنار.. شعار ترفعه الفضائيات منذ اندلاع ثورة يناير وحتي الآن، ففي الوقت الذي يسعي فيه المصريون للعبور ببلادهم إلي شاطيء الديمقراطية تحاول أغلب الفضائيات توجيه بوصلة المصريين نحو الدولة التي تريدها وفقا لأجنداتها الخاصة أو اهواء ومصالح نجومها من مقدمي التوك شو فتحولت الشاشة الصغيرة إلي خشبة مسرح يقدم يوميا عددا لاحصر له من العروض العبثية التي كانت نتيجتها تقسيم المصريين إلي معسكرين كل منهما لا يعترف بالاخر ويتهمه بالعمالة والخيانة نجوم التوك شو يدعون الحياد.. نجوم التوك شو يعرفون اكثر منا، يقودوننا إلي الطريق الصحيح.. هكذا هم يرون انفسهم، أوصياء علي الرأي العام وربما أوصياء علي صوتك وضميرك لهذا يخرق أغلبهم يوميا كل قواعد المهنية والحيادية الإعلامية.. يجلسون امام الكاميرات حتي مطلع الفجر ليغسلوا ادمغة الملايين كل وفقا لاهوائه أو مصالحه أو أجنداته. الامثلة كثيرة لاحصر لها ولكن ربما يتصدر المشهد دائما توفيق عكاشة صاحب ومذيع ومخرج ومعد وضيف وكل شيء تقريبا في قناة الفراعين، فهو الإعلامي الوحيد الذي قرر الايستضيف أياً من مرشحي الرئاسة سوي مرشح واحد فقط هو الفريق شفيق والذي ظل يدعو له صراحة طوال أيام الانتخابات الرئاسية.. يجلس عكاشة لساعات ليشجينا بانفراداته ومستنداته التي توجه دائما لمصلحة تيار واحد فقط. عكاشة المثير للجدل والسخرية ايضا لا تختلف ممارساته كثيرا عن محمود سعد الذي حول برنامجه «آخر النهار» إلي منبر اخواني يعبر فقط عن مرشحي الإخوان والتيارات الدينية بداية من تحيزه الواضح لعبدالمنعم ابو الفتوح في المرحلة الأولي من الانتخابات ووصولا إلي تحيزه الواضح للدكتور محمد مرسي مرشح الإخوان الرسمي بعد وصوله لمرحلة الاعادة. اللعب بمصائر المصريين وصل ذروته مع الإعلان غير الرسمي عن نتائج الانتخابات حيث تبنت كل قناة ارقام الحملة التي تميل إليها فخرجت بعض القنوات تؤكد فوز مرسي بينما كانت قنوات اخري تؤكد فوز شفيق حتي قبل إعلان حملته حصوله علي نسبة اعلي من الاصوات. ألاعيب الفضائيات قسمت المصريين إلي معسكرين وخلقت حالة من العداء بين من انتخب مرسي ومن انتخب شفيق فلم يعد للاختلاف في الرأي دور سوي افساد الود في كل قضية.. اصبحنا جميعة خونة وعملاء وفلولا واخوانا لأن كلا منا منح صوته لمن يريد. ميثاق الشرف الإعلام كان له دور خطير في معظم القضايا خاصة وأنه تناولها بغير موضوعية.. بهذه العبارة بدأ الإعلامي الكبير طارق حبيب حديثه حول الحالة التي وصل اليها المصريون مع انتهاء الانتخابات الرئاسية حيث قال: للاسف كل مذيع قدم وجهة نظره هو وفقا لتوجهاته وانتماءاته ومصالحه دون أن يراعي الحيادية ولم يلتفت الغالبية إلي ضرورة البعد عن التحيز وبالتالي البعد عن التحريض. وأضاف حبيب: نحن كمصريين عشنا لسنوات طويلة جدا ككتلة واحدة يصعب اختراقها حتي مع فزاعة الفتنة الطائفية وغيرها من محاولات التفريق التي لم تنجح علي مر الزمن ولكن ما يحدث الآن من بعض الإعلاميين والكتاب والصحفيين ادي إلي فرقة ربما بين أهل البيت الواحد وافراد الاسرة الواحدة حيث تحولنا إلي فريقين كل يتعامل مع الآخر علي أنه قادم من بلد آخر ويسعي لفرض افكاره عليه، ولهذا اعتقد ان تغيير لغة الخطاب الإعلامي والدعوة إلي مصالحة وطنية امر ضروري ومطلوب علي وجه السرعة. وحول كيفية تحقيق تلك المصالحة الإعلامية يقول طارق حبيب: ميثاق الشرف الإعلامي هو الحل.. قلنا هذا مرارا وتكرارا ولكن لم يستجب احد وإذا تواجد هذا الميثاق وطبق بشكل سليم سيلتزم الجميع ومن سيخرج عن النص ويعبث بمصائر المصريين سيجد عقابه من المجتمع قبل اي جهة رقابية كما أن وجود نقابة للاعلاميين هو امر ضروري حتي نجد جهة نحاسب من خلالها كل من يخرق معايير المهنية وايضا نجد جهة ندافع من خلالها عن حرية الإعلام إذا مست دون وجه حق. فتنة سياسية ويتفق معه الخبير الإعلامي د.صفوت العالم مشيرا إلي أن الإعلام تحول وخصوصا في الفترة الأخيرة إلي اداة خطيرة في يد التيارات السياسية المتناحرة علي الساحة بمختلف الوانها حيث يقول: الإعلام أخذ شكل الدعاية والدعاية المضادة اكثر من ممارسة دوره في اعلام الناس وتوعيتهم وتثقيفهم وكان المفجر الأول لكثير من الشائعات التي تسببت في كوارث عاني منها الشارع طوال العام ونصف العام الماضيين. ويضيف العالم: الكارثة الاكبر أن بعض الإعلاميين تبنوا لهجة السخرية من الآخر ووصفه بألفاظ معيبة وهو مازاد من حالة الاحتقان بين مؤيدي كل مرشح أو تيار وهذا مؤشر خطير قد يؤدي إلي العنف خاصة وأن طبيعتنا كمصريين تعتبر السخرية والاهانه تجاوزا من الصعب الصمت أمامه. ويري د. صفوت العالم أن الحل في اتفاق القوي الوطنية جميعا علي دعوة الإعلام لتبني موقف محايد أو مصالحة وطنية حتي نخرج من النفق المظلم الذي دخلنا فيه وإلا ستزيد مساحة الفرقة بين المصريين وسندخل في فتنه أشد من الطائفية. مصالح خاصة ومن جانبه يري د. عدلي رضا رئيس قسم الإذاعة بكلية الإعلام جامعة القاهرة أن الإعلام لم يكن امينا علي مستقبل الوطن وقسم المصريين إلي فريق مع الإسلاميين وفريق اخر مع جبهة شفيق أو غيره من المرشحين وركز الإعلام في تناوله للاحداث والقضايا علي الاثارة والمصالح الشخصية بعيدا عن المهنية. ويقول د. عدلي: أعتقد أن مصالح أصحاب القنوات تحديدا هي التي تحكمت في توجهات تلك القنوات واعلامييها وهذا اتضح جدا في مسألة إعلان أرقام التصويت الخاصة بكل مرشح ومن المؤلم جدا أن نقسم المصريين إلي فريقين وفقا لحسبة يضعها بعض الباحثين عن مصالحهم الضيقة جدا وهو ما اتضح في تركيز هذه القنوات علي المرشح وليس الناخب فبدلا من مخاطبة الناخب وتوعيته اتجهوا إلي الدعاية للمرشحين ودعمهم وفقا للمصالح التي تربطهم بهذا المرشح أو ذاك. ويري د. عدلي أن الفضائيات الخاصة لن يكون لها أي دور في تحقيق المصالحة الوطنية لأنها لن تعترف بنتائج الانتخابات فكل قناة تؤيد مرشحا بعينه ستخرج لتثير الرأي العام لو لم ينجح مرشحها ولهذا فالمهمة ملقاة الآن علي عائق الإعلام القومي الذي لابد أن يبدأ في التنسيق بين روافده المختلفة لتبني مبادرة المصالحة الوطنية وإعادة الامور لنصابها خاصة أن القنوات الفضائية ستستمر في تبني اجنداتها الخاصة في ظل افتقاد الكثير من اصحابها والكثير من اعلامييها للضمير الوطني.