رياح التغيير التي اطلقتها ثورات الربيع العربي تواجه حربا ضروسا من الداخل والخارج. وتحاول اجهزة المخابرات العالمية اعادة صياغة هذه الثورات لتتناسب مع المصالح العالمية في المنطقة. كما تتربص عناصر تنظيم القاعدة بدول الثورات العربية لتحاول ركوبها وتوجيهها وفق مصالحها المعلنة وغير المعلنة. ولكن الظاهر بعد مرور نحو 18 شهرا علي هبوب نسائم الحرية من تونس ومصر واليمن وليبيا ان الانظمة الساقطة تحاول استعادة عافيتها لتدافع عن مصالحها في البقاء والعودة بصور جديدة لتخطف الثورات. وفي نفس الوقت الذي تحاول قوي الثورة اثبات وجودها والدفاع عن الاهداف التي قامت من اجلها هذه الثورات الاان قوي الثورة ما زالت تحاول في بلد مثل سوريا كسر شوكة النظام القوي. الا ان القوي العالمية لديها من المبررات والتوقيتات التي تؤجل محاولات الاطاحة بالنظام السوري القوي. وتتجه الي اضعافه في ظل دعم عربي معنوي وسند خليجي يتجه الي تسليح المعارضة. بينما تتمني دول التعاون الخليجي التخلص من النظام السوري من اجل محاولة درء الخطر الايراني. وتري هذه الدول ان ايران تسعي للهيمنة الا ان النظام السوري بقوته يقف دون الحيلوله وتنفيذ الرغبة الخليجية. وهنا يظهر جليا احد اشكال التدخل الخارجي في مسار ثورات الربيع العربي حتي لو تعارضت او اتفقت مع مصالح الشعوب الرافضة للانظمة الفاسدة والقمعية. في تونس المشهد يتحول في لحظات الي كرات من اللهب بعدما قطعت تونس شوطا كبيرا من تحقيق بعض اهداف اول ثورة للربيع العربي.حيث تمت محاكمة النظام السابق غيابيا وحصل بن علي علي احكام اهمها السجن المؤبد 20 عاما. وايضا بقية رموزه منهم من حصل علي عقوبات ومنهم من نال البراءه. ولكن في ظل هذا التحرك اشتعلت نار الفتنة في تونس. والشرارة انطلقت من منطقة المرسي احدي اجمل الشواطيء السياحية لمحافظة سوسة. علي خلفية معرض تم استخدام الايات القرآنية علي شكل مشانق مما فجر الصدام في الشارع وانتهي الموقف لحظر التجوال وعودة الاعتقالات وربما الاحكام العرفية .وايضا تصريحات لايمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة تشعل المزيد من النار. وكذلك في ليبيا رغم التخلص من القذافي والاتجاه الي اول انتخابات برلمانية منذ أكثر من 42 عاما. وتأجيلها الي السابع من الشهر المقبل وربما يمتد التأجيل الي ما بعد شهر رمضان.ومفوضية الانتخابات تعلل التأجيل لاسباب "لوجستيه". وعدم اكتمال الترتيبات الا ان هناك من الاحداث والمصادمات في انحاء متفرقة من ليبيا قد تؤثر علي مجريات التحول الديمقراطي الليبي. اما اليمن فقد تم التخلص من رأس النظام .وحل نائبه مكانه.الا ان النظام لم يتغير والحزب الحاكم ظل رغم بعض التعديلات الشكلية في شكل الادارة. وهنا الشعب اليمني يقاوم ويسعي الي فرض رغبات الثورة الا ان تنظيم القاعدة والمتمكن من مناطق عدة يحاول السيطرة وتحريك الامور في اتجاه مصالحه وسيطرته .وهنا تظهر التدخلات الخليجية والعالمية التي صاغت خروج رأس النظام القديم.ويظل الوضع في اليمن في صراع ما بين بقاء النظام السابق ومحاولة تحسين صورته .والصراع مع الشارع اليمني من جانب ومواجهة تنظيم القاعدة من جانب آخر. ولكن في النهاية الشارع اليمني ربما يقول كلمات اخري اذا استمر النظام السياسي دون تحول لمصلحة الشعب.ولكن القاعدة سوف تظل نافذة القدرة في الجنوب ومناطق اخري.كما ستظل دول الخليج تترقب ما يحدث في اليمن وسوريا تخوفا من انتقال التحولات الي اراضيها وستظل الاعين ترقب دور القاعدة ودور ايران وايضا تفاعلات الشارع الخليجي خصوصا في ظل تحرك الاوضاع في هيكلة مجلس التعاون والاتحاد المنتظر لوقف تحرك الموقف من البحرين الي الدول الخليجية. ولكن في مصر فالصراع يشتد يوميا ما بين كل عناصر الثورة والنظام السابق. ولقد نجح النظام السابق في صياغة المشهد الاخير حيث تم اخراج قوي الثورة من مراحل التحول الانتخابي. وانتهي الموقف الي المواجهة الواضحة بين تنظيم جماعة الاخوان المسلمين وهم احدي فصائل الثورة و القوة الوحيدة ذات التنظيم القوي في مقابل النظام السابق المخلوع بعدما حصل رئيسه علي حكم المؤبد. ودخل الصراع مراحله الاخيره لتقف علي الابواب ميليشات الاخوان. وميليشات الحزب الوطني المنحل لتنذر ببوادر انفجار دموي في الشارع المصري.وسواء تمت الانتخابات او لم تتم فإن هناك مواجهة فاصلة بين قوي الثورة والنظام المخلوع من جانب رغم تجنيب هذه القوي. وتعلن قوي الثورة انها مستمرة وان الثورة سوف تظل ولن تنتهي. وايضا مواجهة ذات اشكال اخري بين الاخوان وتيار الاسلام السياسي وبين النظام السابق الذي استبدل رأسه فقط وبقي النظام.والمواجهة ستظل والمشهد السياسي لن يتم حسمه الا بتسيد الثورة. ولن يتم اختزال الموقف في الصراع والمواجهة بين الاخوان والنظام السابق. والمصالحة السياسية وترجيح الثورة سوف يكون الحل الاخير للمشهد في مصر. واخيرا يظل الصراع قائما ومتطورا بين ثورات الربيع العربي والنظم المخلوعه.ولكن المشهد سيظل متحركا في ظل ادوار خارجية تلعب فيها المخابرات العالمية دورا فاعلا.والادوار الامريكية والفرنسية والانجليزية والالمانية والروسية والايرانية سوف تترك بصماتها.ولكن المواجهة الاخري يلعب فيها تنظيم القاعدة دورا متناميا.ولكن الحسم النهائي للصراع بين الربيع العربي وخريف الانظمة الفاسدة سيكون للشعوب العربية اولا واخيرا.