في الاتصال التليفوني الذي جري بين الرئيسين المصري والروسي مساء أمس الأول، قال بوتين للسيسي : - في العادة تأتي التهنئة بالمناسبة السعيدة أثناءها أو بعدها، لكن اسمح لي قبل حلول المناسبة بيوم، أن أهنئكم بالتوقيع علي اتفاق إنشاء أول محطة نووية مصرية في الضبعة، وأتمني لكم التوفيق ولشعب مصر التقدم والازدهار.
كان التوقيع علي الاتفاق مفاجأة.. بالذات في هذا التوقيت! صحيح أن بيان مجلس الأمن القومي الذي صدر مساء الاثنين الماضي في ختام اجتماعه الأول برئاسة السيسي قد أتي علي ذكر مشروع المحطة النووية بالضبعة لتوليد الكهرباء، لكن التوقعات كانت تستبعد إتمام الاتفاق خلال المستقبل المنظور، في ظلال حادث الطائرة الروسية وأسبابه المرجحة، والإجراءات التي أعقبته من جانب روسيا، ورأي فيها البعض علامة علي تدهور مقبل في العلاقات بين القاهرة وموسكو، من بعد انتعاش ملفت أثار حفيظة كثيرين! كان التوقيع علي الاتفاق في هذا التوقيت أمراً بعيداً عن الاحتمال، وسط ضباب أحداث إرهاب عابر للقارات، لا يستطيع أحد أن يتنبأ بمداها وأهدافها. وهناك من كان يراهن، علي أن مصر من بعد كارثة الطائرة الروسية، وتداعياتها، وآثارها علي عائداتها من السياحة، سوف تغلق ملفات، وتحيل مشروعات إلي الأرفف، وتعطي استراحة لمشروعها الوطني، وتنكفئ علي الأزمة تنعي حظها! لذا كان وقع المفاجأة ساراً، وكانت مشاعر البهجة فياضة، غلبت وقار القصر الرئاسي، بعد مغادرة الرئيس السيسي قاعة حفل التوقيع، واندفع الجميع مسئولون وإعلاميون يتعانقون، متبادلين التهنئة بهذا الإنجاز الذي جاء في أحرج وقت وأصعب ظروف، وبدا شعاع أمل في ظلمة أحزان، تماما كالأنوار تلمع من قلب النار. وفي خارج القاعة.. رأيت علماء رجالاً وسيدات، يبكون فرحاً، وهم يرون حلم جيلهم والأجيال التي سبقتهم يتحقق، عندما صار لدينا صاحب إرادة وقرار.
لم تكن مباركة بوتين للسيسي المبكرة علي توقيع اتفاق المحطة النووية هي الخبر السار الوحيد في المكالمة التليفونية، التي جرت في أجواء مفعمة بالمودة. هناك أخبار سارة أخري في الطريق، ودلائل علي استمرار صعود مؤشر العلاقات المصرية الروسية في الفترة المقبلة، تعبر عنها زيارات متبادلة رفيعة المستوي، منها زيارة سيرجي شويجو وزير الدفاع الروسي لمصر الأسبوع المقبل.
بدا الرئيس السيسي عصر أمس وهو يتابع مراسم التوقيع علي الاتفاقات الثلاث الخاصة بإنشاء وتشغيل وتمويل المحطة النووية والتعاون في مجال الاستخدام السلمي للطاقة الذرية، يغالب فرحته بهذا الإنجاز الجديد الذي يأتي قبل أن يتم شهره الثامن عشر في مقعد الرئيس، ولعله وهو يرنو إلي وزير الكهرباء ومدير عام مؤسسة الطاقة النووية الروسية وهما يوقعان اتفاق إنشاء محطة الضبعة، كان يستعرض شريطاً لمشاهد عاشها علي مدي 61 عاما أتمها يوم أمس، بعضها مبهج، وبعضها محزن، والقليل يخلده التاريخ، وربما منها مشهد احتفال أمس في الاتحادية، بعد مشهد افتتاح ازدواج قناة السويس في 6 أغسطس الماضي.
رسائل متعددة، وجهها الرئيس عبدالفتاح السيسي في كلمته التي ألقاها في حفل التوقيع علي اتفاق محطة الضبعة.. أولا: البرنامج النووي المصري هو برنامج سلمي، وأن مصر ملتزمة التزاماً قاطعاً بتوقيعها علي اتفاقية حظر الأسلحة النووية. ثانيا: مشروع المحطة النووية، سبقته دراسات متعمقة ومفاوضات مطولة استغرقت أكثر من عام، واستهدفت أن تكون المفاعلات من أحدث جيل في التكنولوجيا النووية، وأن يتأسس المشروع وفق أقصي اعتبارات الأمان، وبذلك روعي أن تتحمل المفاعلات قوة اصطدام طائرة تزن 400 طن بسرعة 150 متراً في الثانية أي 540 كيلو متراً في الساعة، دون أن يؤثر هذا علي سلامتها. ثالثا: لن تتحمل الأجيال المقبلة فاتورة سداد قيمة المحطة النووية التي تشمل إنشاء 4 مفاعلات بقدرة إجمالية 4800 ميجاوات، ولن تتحمل الموازنة العامة التكلفة وانما ستقوم المحطة نفسها بتسديد تكلفة إنشائها علي مدي 35 سنة من عائد الكهرباء التي تنتجها. رابعا: نحن نشارك بفاعلية في كل الجهود الفعالة من أجل مكافحة الإرهاب لدرء أخطاره علي المنطقة والعالم، لكن هذا التحدي وغيره من تحديات جسام لن يشغلنا عن بناء بلدنا وتعميرها والمضي علي طريقنا الذي اخترناه لبناء بلد ناهض ديمقراطي. خامسا: هذا المشروع وغيره هو خطوات علي طريق طويل من العمل لزرع الأمل في نفوس ابنائنا وأحفادنا.
يشعر الرئيس بالتفاؤل بمستقبل مصر رغم الظروف العصيبة التي تمر بها مصر وتعصف بالمنطقة ويعاني منها العالم، وقد أفصح عن هذا الشعور أكثر من مرة في احتفال الأمس. سر التفاؤل هو آية قرآنية يرددها في أوقات الشدائد والمحن، ويضعها في لوحة علي حائط مكتبه: «إن مع العسر يسرا».