في آخر زيارة لي لتوشكا منذ اسابيع قليلة، تلقيت دعوة كريمة لحضور احتفال تعامد الشمس بمعبد ابي سمبل الواقع علي ضفاف بحيرة ناصر بعد ان انتقل من مكانه الاصلي الذي غمرته مياه البحيرة بعد انشاء السد العالي، والحقيقة انها كانت فرصة ذهبية لي لتأمل الحضارة المصرية العظيمة التي خلدت نفسها علي جدران المعابد والاهرامات والبرديات. واستدعت إلي ذهني لقطات تصور حياة المصريين القدماء ومنها صورة اجدادنا الفراعنة وهم يستخدمون آلة اقرب ماتكون إلي الشادوف لري ارضه، وهي نفس الآلة التي ظلت إلي وقت قريب يستخدمها المزارعون المصريون مع الساقية الشهيرة، قبل الاعتماد علي وحدات الرفع الميكانيكية والكهربائية. ومن اللافت اننا في مصر حتي الآن حينما نتحدث عن الري بالرش والتنقيط ونصفه بأنه ري حديث، بالرغم من ان العالم كله يتبني تلك الاساليب منذ عشرات السنين، وأصبحت هي الاساليب المعتادة للري الحقلي، بينما اصبح الري بالغمر جزءاً من التاريخ، يمكن ان نطالع ادواته في المتاحف. والموارد المائية المحدودة في مصر تحتم علينا الانطلاق بلا تردد في تطوير نظم الري علي كل مستويات الشبكة الرئيسية، سواء رأسياً علي مستوي الترع او المساقي الخصوصية أو المراوي الحقلية، أو أفقيا ليشمل الاراضي القديمة في الوادي والدلتا، أما الاراضي المستصلحة في الصحاري وعلي حواف الوادي والدلتا فيعتمد معظمها علي استخدام شبكات الري الحديثة، لكن التحدي الكبير هو تطوير الري في اكثر من 6 ملايين فدان بالاراضي القديمة والتي تضم حوالي 100ألف مسقي خصوصية و8 آلاف ترعة فرعية. وقد أكد الرئيس السيسي في لقاءاته المتعددة علي أهمية تطوير الري في الاراضي القديمة، خصوصاً وأن الدراسات أثبتت أن مشروعات تطوير الري يمكن أن تحقق زيادة في كفاءة النقل في المساقي تصل إلي 95% وعدالة توزيع أفضل للمياه بين المنتفعين، وزيادة في الإنتاجية الزراعية تصل إلي 12%، كما انخفضت تكلفة ري الفدان في النظام المطور عن مثيله غير المطور بنسبة مابين 40-60%،كما حدث وفر في الأراضي الزراعية يتراوح بين 1.2% إلي 2% نتيجة تحويل المساقي المكشوفة إلي مساقي مواسير أو مساقي مرفوعة مبطنة هذا فضلا عن الفوائد الصحية والبيئية. بدأت مشروعات تطوير الري عام 1989 في زمام قدره 118 ألف فدان شبكة رئيسية وزمام 66 ألف فدان مساقي بمناطق رائدة في المنيا والشرقية وكفر الشيخ والبحيرة والغربية والفيوم واسنا، ثم امتد لمساحات اوسع بمحافظات البحيره وكفر الشيخ والشرقية والدقهلية في مساحة تربي علي 264 ألف فدان بإجمالي تكلفة حوالي 734 مليون جنيه وبتمويل من البنك الدولي وبنك التعمير الالماني وصندوق الأوبك. بالاضافة إلي التمويل الاستثماري في الفيوموالمنيا وإسنا. وتتضمن أنشطة تطوير الري أعمالا علي المستويات المختلفة من الشبكة، فعلي مستوي الترع الفرعية تتمثل أنشطة التطوير في إعادة تأهيل الترع والتحكم في إدارة وتوزيع المياه تبعا للمناسيب والمياه المطلوبة وذلك بإنشاء منشآت التحكم المناسبة أوإحلال وتجديد المنشآت القائمة، وبتنفيذ مصبات بنهايات الترع الفرعية لضمان الحفاظ علي المياه وخفض الفواقد المائية التي تتجه إلي المصارف، وكذلك تنفيذ أعمال تدبيش لقطاعات الترع وإصلاح الجسور اللازمة لأعمال الصيانة ولمرور وسائل النقل والمعدات. كما تتضمن أنشطة تطوير الري أعمالا علي مستوي المساقي الترابية - وهي التي تتغذي من الترع الفرعية - تتمثل في تحويلها إلي مساقي مواسير مدفونة تعمل تحت ضغط مائي أو مساقي مبطنة مرفوعة، والتحول من نقاط رفع متعددة إلي نقطة رفع واحدة عند فم المسقي مع تطبيق نظام جدولة يكفل توزيع المياه بصورة عادلة بين المنتفعين، الأمر الذي يترتب عليه القضاء علي النزاعات بينهم وخفض الفواقد المائية وخفض تكاليف التشغيل والصيانة. بالاضافة إلي الفوائد البيئية والصحية والاجتماعية. تعتمد فلسفة مشروعات تطوير الري علي استعاضة التكاليف بالتقسيط وبدون فوائد علي 17 سنة للأعمال المدنية وعلي 3 سنوات للطلمبات طبقا للتكلفة الفعلية للعمليات المنفذة وذلك حتي لا تشكل عبئاً علي المنتفعين ويتم استخدام هذه الأموال في تنفيذ مشروعات تطوير الري المستقبلية. ومازال حديث التطوير ممتداً حفظ الله مصر وشعبها ونيلها من كل سوء.