طوابير المتدثرين بالبطاطين هل تحميهم إذا هجم صقيع يناير القادم مع بداية فصل الشتاء وموجة الامطار والعواصف التي اجتاحت العالم الأسبوع الماضي يتجدد الحديث المأساوي عن أزمة اللاجئين الرحل علي الحدود العربية والاوروبية الذين يبيتون داخل خيام في انتظار السماح لهم بدخول أية دولة لعلهم يجدون المأوي الذي يبحثون عنه لبدء حياة جديدة بلا حروب ، بلا خوف ، وبلا موت. ومع التدابير التي تتخذها كل دولة ومع اختلاف السياسات التي تنتهجها كل منها تجاه اللاجئين ، تقف اوروبا أمام اختبار حقيقيي يقيس انسانية الجميع في أكبر موجة لجوء عرفها العالم في العصر الحديث. فالارقام تشير أن القارة الاوروبية تستقبل كل يوم نحو 5 الاف لاجئ. بينما يرتفع العدد علي الحدود العربية إلي عشرات الآلاف يوميا. وتصبح المعاناة أكبر كلما اقترب موعد الشتاء الذي قد يودي بحياة المزيد موتا من البرد. ادركت اوروبا انها تعيش اليوم اكبر تحدي تواجهه منذ اعوام مما جعلها تعقد مؤتمرا تلو الآخر في محاولة لاستيعاب تلك الأعداد المتدفقة يوميا لحدودها. وقد اتفق الزعماء الأوروبيون في مؤتمر طارئ عقد في بروكسل علي تهيئة أماكن جديدة لاستقبال 100 ألف لاجئ جديد قبل حلول فصل الشتاء وموجات الثلوج التي بدأت بالفعل في بعض الدول. وتنص الاتفاقية علي أن تفتح اليونان مراكز جديدة تتسع لثلاثين ألف لاجئ في نهاية هذا العام. حيث يصل إليها يوميا 9 آلاف لاجئ بينما ستنشئ وكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أماكن أخري لاستيعاب 20 ألف آخرين. في حين ستنشئ دول البلقان مراكز لاستيعاب 50 الف لاجئ حيث تقع في منتصف الطريق المتجه لألمانيا والدول الاسكندنافية التي يقصدها اللاجئون. وتقدر أعداد اللاجئين الذين فروا إلي أوروبا هذا العام بنحو 700 ألف لاجئ من سوريا والعراق واريتريا وافغانستان وشمال افريقيا. بينهم عشرات الآلاف من الاطفال وكبار السن الذين ترتفع بينهم معدلات الاصابة بالامراض الناتجة عن البرد ومنها الالتهاب الرئوي والحميات فضلا عن الإصابة بالامراض النفسية نتيجة ما لاقوه ومازالوا يعيشون فيه من مخاطر لم تنته بعد. ورغم الجهود التي تبذلها الأممالمتحدة لمساعدة اللاجئين من توفير لبطاطين وخيام متنقلة وأحذية وملابس لمواجهة الطقس السيئ إلا أن معظم هذه المساعدات لا تصل لكل اللاجئين في مناطق عديدة علي حدود الدول الاوروبية بل رصدت تقارير حقوقية تعمد بعض المنظمات التي تدعي الانسانية تجاهل معاناة اللاجئين علي حدودها في دول البلقان رغم قربهم من اماكن تمركز اللاجئين. اطفال في اكياس القمامة في اليونان الدولة التي يعيش بها 85 الف لاجيء وصل اليها الشهر الماضي فقط قرابة 111 الف لاجئ قادمين من تركيا رغم تكهن البعض بتوقف رحلات الموت وانخفاض عددها نظرا لسوء الاحوال الجوية في معظم الدول. لكن الوضع داخل مخيم موريا للاجئيين سيء للغاية حيث أصيب معظمهم بمرض الالتهاب الرئوي والغرغرينا في الأطراف ولجأ الآباء لوضع ابنائهم في أكياس القمامة حفاظا علي حياتهم من الموت بردا. وفي مخيم كاراتاب يعيش 200 ألف لاجئ سوري دون اي استعدادات تحميهم من موجات البرد القادمة فمعظمهم ينامون علي الكرتون داخل الخيام رغم برودة الجو وهطول الامطار. وفي ادوميني.. القرية اليونانية الصغيرة التي تحولت إلي اكبر مثال يحكي عن أزمة اللاجئيين في اوروبا فبعد ان اغلقت دول البلقان حدودها اصبح اللاجئون محتجزين علي الحدود بلا مأوي وبلا أية مقومات للحياة. ورغم الجهود الاممية التي اقامت مخيمات في المنطقة مزودة بوحدة صحية وخدمة الانترنت وخيام للاطفال الصغار لممارسة هواية الرسم إلا أن تدفق الاعداد الضخمة يوميا من اللاجئين الذي يتراوح بين 6 الاف و10 الاف، مع اغلاق الحدود جعل الجميع يتحدث عن ازمة قريبة لعدم استعداد المكان لاستقبال تلك الأعداد. وبعيدا عن خيام استقبال الأحياء اعلنت اليونان انها لم تعد تمتلك اماكن لدفن جثث الغرقي من اللاجئيين الذين تناثرت جثثهم علي السواحل بعد غرق مراكبهم في البحر قبل الوصول إليها. معتقلون في اقسام الشرطة علي الحدود بين كرواتيا وسلوفينيا يتجمع آلاف اللاجئيين داخل قسم شرطة بريزيس الذين تعتقلهم السلطات السلوفينية داخله، بينما يتظاهرون اعتراضا علي سوء المعاملة مرددين انهم لاجئين وليسوا مجرمين. البعض منهم يرتدي سترات ثقيلة والبعض الاخر يضع بطاطين الاممالمتحدة علي كتفيه. بينما يصرخ المتعبون متي ستنتهي هذه الرحلة اطفالنا يموتون بردا؟ وعلي الحدود الالمانية النمساوية تساقطت الثلوج فوق آلاف اللاجئين الذين ينتظرون الدخول إلي ألمانيا ويتحدث المسئولون عن صعوبة الاوضاع داخل تلك الخيام في شهور الصيف متسائلين عن الوضع بعد سقوط الثلوج حيث يبذلون جهودا مكثفة لنقل هذه الاعداد الهائلة إلي اماكن دافئة قبل موجات البرد القاتلة القادمة. اما في كاليه الفرنسية فقد تضاعف اعداد اللاجئيين من 3 آلاف إلي 6 آلاف يعيشون في الخيام بلا خدمات او مساعدات بينما يصل للمخيم يوميا نحو 100 شخص قادمين من افغانستان والعراق وسوريا والسودان. وصرحت الحكومة الفرنسية انها ستوفر المزيد من الاسرة للنساء والاطفال ووعدت ببناء نزل لاستيعاب 1500 لاجئ قبل فصل الشتاء حيث يتم نقل اللاجئيين لمناطق اخري في فرنسا بعد تكدس المخيم. ورغم تقديم الحكومة الفرنسية لوجبات يومية لنحو 2000 لاجئ والجهود التي يقوم بها المتطوعون يتحدث احد اللاجئين عن صعوبة الحياة في المكان بلا طعام او شراب مع زيادة الاعداد وكيف انه يحتاج للسير كيلو متر اذا اراد الذهاب لحمام نظيف. مظاهرات السويد بدأت افواج اللاجئين تصل لقرية ليمدسفورين السويدية بالقرب من الحدود النرويجية حيث كانت درجة الحرارة تقترب من الصفر ومن المتوقع ان تصل في الايام القليلة القادة إلي 10 درجات تحت الصفر. وقد وجد اللاجئون المكان غير مهيأ لاستقبالهم وبينهم اطفال ونساء حوامل ولا توجد اية رعاية صحية..وفي مكان قريب تظاهر اخرون لان غرفهم بلا كهرباء او غاز وهددوا بالاضراب عن الطعام بعد أن وجدوا انفسهم وسط اللاشيئ بعد كل هذا العناء. فلا حياة افضل ولا مستقبل ولا تعليم. في حين شنت مواقع التواصل الاجتماعي السويدية حملة ضد اللاجئين ووصفتهم بناكرين الجميل. ترحيل اللاجئين بعد تبني ألمانيا لسياسة الباب المفتوح حيث فتحت ذراعيها لاستقبال اللاجئين السوريين وبعد تتويج المستشارة الألمانية انجيلا ميركل زعيمة لقلوب اللاجئين، نجحت ضغوط شريكها الأصغر في التحالف الحاكم الحزب الاشتراكي الديمقراطي في مواربة هذا الباب المفتوح حيث شكلت 5 لجان لمعاينة طلبات اللجوء وسيتم ترحيل من يرفض بقائهم في البلاد.ومن المتوقع ان تستقبل ألمانيا 800 ألف من طالبي اللجوء علي الأقل هذا العام. ويمكن القول ان اوروبا وجدت نفسها عاجزة أمام تدفق تلك الاعداد الغفيرة من اللاجئين وحتي الآن تعيش حالة من التخبط الواضح بين قبول اللاجئين ورفضهم خاصة في الدول التي تسيطر عليها الاحزاب اليمينية المناهضة لقضية الهجرة والتي تتسم خطاباتها بالعنصرية عندما يكون الحديث عن مهاجرين عرب ومسلمين. واليوم تمضي أوروبا في رحلة البحث عن هويتها وفقا لما صدرته للعالم من مبادئ وافكار ويمكن القول ان معظم هذه المبادئ قد انهارت امام اول اختبار انساني حقيقي.