مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة المصرية، تتصاعد مشاعر القلق في إسرائيل إزاء النتائج المتوقعة لهذه الانتخابات وتأثيراتها المحتملة علي طموحاتها الإقليمية وسياساتها التوسعية خاصة إذا أسفرت هذه الانتخابات عن فوز إحدي الشخصيات الإسلامية رغم أن هذا الوضع يخدم كثيرا فكرة الدولة الدينية التي تتبناها اسرائيل ومفهومها الخاص بالدولة اليهودية. ربما ترجع هذه المخاوف في الأساس إلي حقائق عديدة أهمها أن إسرائيل حققت خلال الثلاثين عاما الماضية أكثر مما كانت تحلم به سواء علي صعيد علاقاتها مع مصر أو بالنسبة لوضعها في المنطقة بشكل عام. ويتفق الجميع، داخل إسرائيل وخارجها، علي أن سقوط رئيس مصر المخلوع حسني مبارك في 11 فبراير 2011 كان خسارة فادحة للإسرائيليين ليس فقط لأنه كان كنزا استراتيجيا لهم، باعتراف قادتهم، بل أيضا لأن كل المكاسب غير المشروعة التي حققتها إسرائيل في عهده أصبحت مهددة بالضياع. ورغم ذلك، فإن نظرة سريعة لما تنشره وسائل الاعلام الاسرائيلية تكفي لتأكيد حجم المغالطة في أسباب المخاوف من انتخابات الرئاسة المصرية وإلي الدرجة التي دفعت رئيس الوزراء نتنياهو إلي التصريح بأن "من لا يري أن المستقبل يحمل لاسرائيل إمارة إسلامية علي حدودها الجنوبية فإنما يدفن رأسه في الرمال." أضف إلي ذلك دعوة وزير الخارجية أفيجدور ليبرمان للتعامل مع مصر باعتبارها أخطر علي اسرائيل من ايران وما يتردد عن حشد كتائب عسكرية اسرائيلية لمراقبة الحدود مع مصر. والحقيقة، أنه علي عكس ما تروج له إسرائيل حول مخاوفها من تولي شخصية إسلامية أو وطنية قومية للرئاسة في مصر واحتمالات انهيار السلام البارد بين القاهرة وتل أبيب، فإن مبعث هذه المخاوف هو شعور اللص بأن أصحاب المنزل قد استيقظوا من سباتهم قبل أن يكمل سرقة كل شيء.. وأنه ربما لا ينجح في الهروب والافلات بما سرقه. مصدر القلق الرئيسي في إسرائيل هو رؤيتهم الاستراتيجية لمغزي الثورة المصرية والاهداف المعلنة التي تسعي لتحقيقها. فقيام نظام ديمقراطي في مصر يحترم حقوق شعبه في الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية يعني أن الاسرائيليين سوف يتعين عليهم مستقبلا أن يضعوا في اعتبارهم 90 مليون مصري حراً وليس فقط مجرد رئيس مستبد لا يعنيه سوي تنفيذ أوامر واشنطن وتل أبيب. وتدرك إسرائيل جيدا أن رئيس مصر الجديد، مهما كانت توجهاته، سيحرص علي دعم قدرة بلاده علي الدفاع عن نفسها وستجد إسرائيل نفسها ملزمة باحترام معاهدة السلام التي يتفق جميع مرشحي الرئاسة المصريين، بما فيهم الاسلاميون، علي الالتزام بها بشرط أن يتبني الاسرائيليون نفس الموقف. ولا شك أن تطور المجتمع المصري بالشكل الذي تنادي به الثورة يتعارض مع حرص إسرائيل الدائم علي ضعف وتخلف مصر. فالتنمية الصناعية والزراعية والعلمية التي تسعي إليها مصر الآن لا يمكن أن تتفق مع نزعة التفوق والعنصرية التي تسيطر علي إسرائيل. كما أن نجاح مصر في استعادة دورها التاريخي إقليميا ودوليا لابد أن يؤدي إلي عودة إسرائيل لحجمها الطبيعي في المنطقة والعالم بدلا من أوهام القوة العظمي التي سيطرت عليها لعقود وخاصة الثلاثين عاما الماضية. وفي نفس الوقت فإن عودة مصر إلي ريادتها الحضارية تعني أن صراع الثقافات، الذي تعتبر إسرائيل في مقدمة المستفيدين منه، ربما ينتهي لأن القوة التنويرية المصرية كانت دائما رقما هاما في معادلة تطور البشرية نحو احترام الانسان وحقه في الحياة وإلغاء كل مبررات ومزاعم الصدام بين الحضارات والثقافات. هكذا، من الطبيعي أن تشعر إسرائيل بالقلق والخوف لأنها أدركت أن قواعد اللعبة سوف تتغير أو ربما تغيرت بالفعل، واصبحت تستند إلي الشرعية والعدالة بدلا من الابتزاز والظلم والعدوان.