لم يجف مداد القلم بعد إلا وخرج علينا البرلمان وقد وافق علي تعديلات في قانون الانتخابات الرئاسية، تضمنت مواد تخالف أبسط المبادئ القانونية المشار إليها في المقال السابق لصياغة التشريعات، بما يعد استمرارا لنزيف القوانين المعيبة التي لا تؤدي إلا إلي البلبلة والاضطراب والفوضي في إصدار تلك التشريعات، وإذ كان البرلمان في إصداره لقانون العزل السياسي الذي احالته اللجنة القضائية المشرفة علي الانتخابات الرئاسية إلي المحكمة الدستورية العليا، قد عاقب كل من شغل بعض الوظائف العامة كرئيس الجمهورية أو نائب الرئيس أو رئيس الوزراء في العصر السابق بالحرمان من الترشح للانتخابات الرئاسية، بزعم انه شارك في إفساد الحياة السياسية فاخضع بمقتضي هذه المادة كل من تولي المنصب لمسئولية جنائية مفترضة وحرمه من مباشرة حقوقه السياسية بوصفها عقوبة تبعية لتلك الجريمة دون اي دليل علي وقوعها، بل اعتبر ان شغل هذه الوظيفة في حد ذاته في تلك الفترة يعد جريمة، فإنه قد كافأ كل من أدي عمله بالذمة والامانة من اعضاء لجنة الانتخابات الرئاسية للانتهاء من تلك الانتخابات بالحرمان من تولي الوظائف العامة أو النيابية لمدة موازية مدة عمل الرئيس المنتخب طوال فترة عمله علي مدار اربع سنوات، تحسبا وتجنبا لأي تجاوز قد يحدث أو لا يحدث!! من اعضاء اللجنة الرئاسية أثناء أداء عمله، وكلهم من شيوخ القضاة الاجلاء في مصر، وهي علة واهية لا تصلح كهدف لإصدار اي قانون او تشريع، وإذا امكن التذرع بها لصدرت قوانين اخري تفرض قيودا علي رجال السلطة القضائية جميعا اثناء مباشرة واجبهم الوطني في الاشراف علي تلك الانتخابات الرئاسية أو غيرها من الانتخابات، رغم انهم لم يسعوا اليها أو يطلبوها وإنما كان ذلك برغبة عارمة من الشعب المصري بجميع أطيافه، ولهذا اعتبرها القضاة تشريفا وتكليفا لهم بأداء تلك المهمة مع انها تضيف اليهم اثقالا فوق الاثقال التي يتحملونها في أداء رسالتهم القضائية، ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد بل امتدت المناقشات في جلسات البرلمان إلي تجاوز بعض اعضائه اثناء مناقشة تلك التعديلات إلي حد ان وصف احدهم تلك اللجنة التي تضم نخبة من شيوخ القضاء الاجلاء بعبارات هابطة تصل إلي حد التقليل من المقام الرفيع لكل منهم، ووصل التمادي في التجاوز إلي حد ان البعض الآخر من هؤلاء النواب قد انكر في الفضائيات علي اللجنة حقها في الاعتراض علي تلك التجاوزات وإحالتها الأمر إلي المجلس الأعلي للقوات المسلحة بصفته يباشر سلطات رئيس الجمهورية كحكم بين السلطات في تلك الانتقالية، واصفا إياهم بأنهم موظفون عموميون لا يجوز لهم التهديد بتعليق أعمالهم مع أنه كان في يوم ما أحد هؤلاء الشيوخ من القضاة. والسؤال المطروح الآن هو أي منطق هذا الذي يتمسك به اعضاء البرلمان في إصدار قانون يخالف البديهيات والمسلمات الدستورية؟! وكيف يصدر قانون يتسم بهذا الجهل بأبسط سمات الصياغة القانونية للتشريعات والذي يمثل قيدا وسيفا مسلطا علي رقاب من يؤدي عمله في لجنة الانتخابات الرئاسية بالذمة والأمانة فيبدو الأمر وكأنه يعاقب علي عمله بدلا من أن يكافأ عليه؟! ياسادة إن اصدار التشريعات والقوانين صنعة تحتاج إلي الخبرات المتراكمة وعرض مشروعات تلك القوانين قبل صدورها من البرلمان علي الجهات المتخصصة التي تنص علهيا القوانين، فهل ناديت حيا وأسمعته أم أنه لا حياة لمن تنادي.