"الكلمة نور، وبعض الكلمات قبور، وبعض الكلمات قلاع شامخة يعتصم بها النبل البشري، الكلمة فرقان بين نبي وبغي، بالكلمة تنكشف الغمة، الكلمة نور ودليل تتبعه الأمة". هكذا أبدع كاتبنا الراحل عبد الرحمن الشرقاوي في مسرحيته "الحسين ثائرا" حين واجه الحسين أمر الوليد ابن مروان رافضا مبايعة الحاكم الطاغية، فمن في عصرنا هذا يحترم الكلمة، ومن يقدسها ولا يبيعها أو يدنسها من أجل بريق أو شهرة؟ ومن يحترم كلمته من باعة الكلام بساحات السياسة؟ ما يحدث في مصر طوال عام ينبئنا بأن الكلام غير الفعل، وأن الوعود قلما تتحقق، وأن الصراع بين البرلمان والحكومة تحول إلي مشهد عبثي يشبه معارك تلاميذ المدارس، بينما "ناظر المدرسة" يراقب المشهد من أعلي ويجلس مع كل طرف علي حدة لترضيته! وبالطبع لا تنكشف الغمة لأن كل طرف يريد أن يثبت أنه الأقوي، وبينما هم يتصارعون وتجري الكلمات الحادة علي ألسنتهم لترفع حرارة الصراع، تنفجر الأحداث في العباسية ويراق الدم المصري في عرض الطريق، وبنفس اسلوب الفاعل في كل مرة ممن يسمونهم "البلطجية"ولكن هذه المرة يحتد العنف أكثر وتبلغ البشاعة مداها بذبح الرقاب والحناجر! أي عنف هذا الذي يجتاح حياتنا بهمجية ليحول الرغبة في الحياة إلي رغبة في الثأر والانتقام؟ وأين يذهب مشعلو الحرائق وصناع الفتن بعد اشتعال المواقف إلي هذا الحد؟ وما دور وزارة الداخلية وسط هذا كله؟ وهل أصبح سلاح "البلطجية" أقوي منها؟ وكنت أرفض حالة الإرهاب الفكري المتخفية وراء إصرارهم علي تحويل الانتخابات إلي مبايعة، ولكني أرفض رفضا قاطعا- مثل كل المصريين - أن يتم فض اعتصامهم باعتداء سافر وقتل علني.! مواقف مجالسنا كلها مخزية، المجلس العسكري الذي يترك الأمور تتحول الي أزمات ومجلس الشعب الذي أوقف جلساته ليجد رئيسه فرصة للسفر إلي السعودية وتهدئة الأجواء التي هدأت بالفعل! ومجلس الشوري الذي لا نسمع عنه شيئا سوي الحديث عن الصحف القومية والمجالس المحلية القابعة "في الركن البعيد الهادي" بسلام بلا محاسبة ولا يحزنون، الكلمة نور، ولكن الكلمة التي تتبعها الأمة لم تأب بعد.