د. رفعت سىد أحمد مع انفلات المشهد السياسي وتفجر الأوضاع وتشظي الرؤي الدينية والمدنية ما أحوج مصر في هذه الأيام الي عودة الدور الوطني والديني للأزهر بعد ان انقلب كل شئ في بلادنا وصار البعض، شيوخاً يفتون باسم الدين، وركب أنصاف المتعلمين علي المنبر، فأفتوا، وتحدثوا من غير علم رصين، وفهم دقيق لأمور الدنيا والدين، واستغلوا رايته لخدمة أغراض حزبية وسياسية بعيدة تماماً عن روح الإسلام ورسالته السمحة، إن مصر، وبلاد العرب، تحتاج اليوم الي عودة الأزهر بعد ان طفح علي السطح - في أجواء ما سمي بربيع الثورات العربية - كثيراً من البثور المتاجرة بالدين المفتتة للأمة، الخادمة لأعدائها التاريخيين، من تل أبيب الي واشنطن. إن الحاجة الي عودة دور الأزهر رمز الوسطية ورافع راية التقريب المذهبي، ومؤسس لغة الحوار الراقي منذ أكثر من ألف عام ورائد الثورات المصرية ضد المحتل، حاجة ماسة وسط أجواء الفتن والصراعات المذهبية التي تعصف بالعديد من بلادنا العربية والإسلامية وفي مقدمتها مصر، ووسط الدفع الأمريكي والإسرائيلي باتجاهها لأنه يحقق للدولتين (أمريكا وإسرائيل) ما عجزتا عنهما طيلة النصف قرن الماضي من هيمنة واحتلال ووسط أجواء يلعب فيها بعض من يوصفون ب (الشيوخ) - للأسف - وبعض الكتبة من تابعي الأنظمة الممالئة بدورها لأعداء الأمة دوراً تخريبيا في تأجيج الصراع المذهبي بين أتباع المذاهب الإسلامية واعتباره أهم وأخطر من الصراع الحقيقي في المنطقة وهو الصراع مع الاحتلالين الأمريكي والإسرائيلي، وسط هذا جميعه نحتاج الي (كلمة سواء) نحتاج الي دور تقوم به المؤسسات الإسلامية ذات التاريخ الجهادي والتوحيدي للأمة ولا نحتاج الي شيوخ مفرقين للأمة وكتبة مستأجرين باسم الدفاع عن الاسلام والذين لا يخدمون بأدوارهم سوي إسرائيل والولايات المتحدة، ومن سار في ركابهما من أنظمة و(نخبة) الاستبداد والفساد في بلادنا، وعندما ننظر حولنا لا نجد سوي الأزهر الشريف بتاريخه الاسلامي المعتدل، خاصة في الستين عاماً الماضية، حيث نشأت علي أيدي علمائه، دار »التقريب بين المذاهب«، والتي كانت ضمن عشرات الوسائل العلمية والدعوية الأخري، أداة للوحدة وللتقريب بين أتباع المذاهب الإسلامية. لقد كان الأزهر إبان ثورة يوليو ووقتها واسع الأفق، وكان علماء الأزهر يومها أصحاب رؤية وفهم سياسي وديني كبير، ولم يكونوا طلاب مناصب أو باحثين عن مغانم صغيرة، لقد كانت أمة الإسلام وقضاياها الكبري في الوحدة ومقاومة العدو الصهيوني، هي جل همهم، ونحسب أن هذا هو عين ما تنشده الأمة من الأزهر اليوم، ولعل فكر وسلوك الإمام الأكبر فضيلة الشيخ د. أحمد الطيب، خلال العام التالي لثورة يناير 1102 يؤكد ذلك ويسعي إليه، الا ان ثمة عوائق تقابل مسيرة الأزهر الجديدة، وربما أخطاء تحتاج الي تصويب، خاصة ما يتصل منها ما شعر به البعض من ممالأة الأزهر لبعض دعاة فكر الغلو وهذا خطأ حتي لو كان أصحاب هذا الفكر بفضل المال النفطي يتصدرون - في غفلة من الثورة والثوار - مقاعد السياسة التي حرموا منها فترة طويلة، باتفاق أو بخلاف - أحياناً - مع النظام السابق. إن قول الحق، والدعوة الي الاعتدال، وإلي فقه المواطنة، دونما خوف أو نفاق لهذا التيار أو ذاك، لهو أبرز مسئوليات الأزهر في المرحلة المقبلة داخل مصر، أما علي المستوي الدولي، فنحسب أن الأزهر هو (القوة الناعمة) الأكبر لمصر عربياً وعالمياً وهي قوة تستند الي موروث وتاريخ كبير، ينبغي العودة إليه وتأمله، ثم السعي لاستكماله، سواء علي مستوي التصدي لمخططات التقسيم والفتن التي تحركها واشنطن وتل أبيب وبعض العواصم النفطية أو علي مستوي إعادة هيكلة وبناء مؤسسة الأزهر بما يتفق ومتغيرات الثورة الجديدة. تري: ماهو رأي شيخنا الجليل د. أحمد الطيب؟ ومتي نري علي يديه عودة حقيقية لدور الأزهر في قضايا مصر والأمة وليس عودة إعلامية - فضائية فحسب؟.