احدى لوحات المعرض يظل الفن هو أقوي معبر عن مصر.. شعرا وأدبا وموسيقي ومسرحيات وأفلاما.. وقد فجرت ثورة 25 يناير ابداعات عدد كبير من الفنانين التشكيليين احدثها معرض الفنان حسين نوح الذي يطرح فيه رؤيته لمصر من خلال لوحات تنبض بالحياة.. عجوز طاعنة في السن.. خط الزمن علي وجهها.. وسكن الفقر بيتها وكل ملامحها.. تمسك بإبرة تحاول أن تمرر الخيط من ثقب الأبرة.. تغمض إحدي عينيها في حركة لا إرادية حتي تستطيع ان تجد منفذ للأبرة.. لكن ضوء لمبة الجاز الضعيف لا يساعدها.. تستمر في محاولاتها دون أن يتسرب إليها اليأس.. تتمسك بالصبر وتعلق علي حائط بيتها الكالح لافتة »الصبر جميل«.. ضوء أبيض ضعيف يسقط علي وجهها يوحي لك انه لايزال هناك أمل وانها ستصل إلي مبتغاها.. إنه توصيف دقيق لحالة مصر الآن.. التوصيف جاء في لوحة بديعة.. بألوانها الزرقاء التي تمثل النيل والسوداء الكالحة التي تبدو مثل ليل طويل يحلم ب»بنهاية سعيدة« وخطوط بيضاء ضعيفة تؤكد أن نهارا جديدا سيشرق حتما.. ثقب الابرة يعبر عن عنق الزجاجة الذي تحاول مصر ان تخرج منه.. كل هذه المعاني عبرت عنها بايجاز وبراعة خطوط وألوان رسمها بريشته الفنان التشكيلي الكبير حسين نوح في احدث معارضه المقام حاليا بدار الأوبرا والذي حمل عنوان »شدي حيلك يا بلد« موحيا بالوفاء والانتماء لشقيقه الأكبر الفنان محمد نوح الذي تعلم منه معني الانتماء لمصر.. فمثلما طاف نوح الكبير بأغنياته الوطنية محافظات مصر.. يشد من أزر أولادها في فترة من أحلك الفترات التي عاشتها لمصر بعد هزيمة 67 وحتي نصر أكتوبر اختار حسين نوح لحظة فاصلة في تاريخ مصر ليعبر عنها بريشته وألوانه يبث فيها مخاوفه التي هي مخاوفنا أيضا من خلال 35 لوحة لمصر قبل وبعد ثورة 25 يناير.. يرصد فيها تفاصيل بشر سحقهم وأذلهم نظام فاسد ثم حين تتفجر ثورة سرعان ما تتحول إلي لوحة تجريدية تبحث عن منقذ وعن لحظة خلاص.. بعد ان انقض عليها المتحولون والمتاجرون والمتنافسون.. وفي لوحة أخري يرصد نوح الأيادي الممتدة ما بين الهاتفين والمطالبين بحقوقهم وقد اختار لها لون علم مصر الاحمر بدماء الثورة والابيض بالأيادي والأسود الحالك، يقف الفنان طويلا عند محاولات خطف الثورة يحذر من عودة مصر للوراء.. يرصد الصراع بين تيار الدولة المدنية والتيار الديني ويجسد هذا الصراع في أكثر من لوحة تؤكد مخاوفه وهواجسه لمجتمع يعيش لحظة ضبابية بعد ثورة بدت سلمية فيعبر عنها بخيوط لونية متقاطعة تتشابك وتتعقد وتتحول إلي علامة استفهام تبحث عن اجابة.. ويتنقل الفنان بريشته بين أحداث الثورة في لوحة تحمل وجه أحد رموزها أحمد حرارة الذي فقد عينيه ما بين الثورة وتداعياتها ويعبر عنه من خلال حصان أبيض يحاول أن يقفز للامام، والحصان يشكل عالما خاصا لدي الفنان فيجسده في لوحات عديدة بجموحه وتمرده كرمز للقوة والانطلاق.. وهو ما عبر عنه باعجاب د.شاكر عبدالحميد وزير الثقافة بعد افتتاحه للمعرض حيث أكد ان الخيول القوية الجامحة شديدة العنفوان رمز جميل لمصر القادمة.. وفي كلمته للفنان كتب الوزير: لا توجد كلمات تكفي للتعبير عن هذه المتعة الجمالية التي غمرتني بها لوحاتك الجميلة التي تتضمن ابداعا وتألقا وتوهجا فنيا بين الخط واللون والشكل والانسان. المرأة أيضا تطل بقوة في لوحات حسين نوح.. كرمز للعطاء والاستمرار والجمال فهو يري أن اجمل الخطوط التي يرسمها للمرأة والخيول.. فكل منهما عالم واسع ينهل منه الفنان.. لقد جسدت لوحات حسين نوح الثورة قبل وبعد انطلاقها راصدا تداعياتها في خطوة تؤكد قدرة الفنون علي التعبير عن نبض المجتمع وقد أهدي معرضه للخائفين والمهمومين والمتفائلين بحذر لمستقبل مصر.