برحيل نور الشريف نفقد واحداً من أهم وأجمل العناوين لجيل رائع من الفنانين أثروا حياتنا بتراث من أروع ما قدمته السينما المصرية ثم الشاشة الصغيرة طوال تاريخهما. هذا الجيل جمع بين الموهبة وبين الدراسة في تعليم كان متاحاً للجميع وبمستوي جيد. ثم واصل رحلته مازجا بين التجربة وبين الثقافة الرفيعة التي مكنته من الصمود أمام أحداث كبيرة وتقلبات عاتية خلال نصف قرن مرت فيه مصر من صحوة يوليو إلي انتكاسة يونيو، إلي انتصار أكتوبر الذي تبددت حصيلته بين أخطاء السياسة وكوارث الانفتاح وفساده الذي استمر ينمو حتي سيطر علي الحكم قبل يناير، ثم الكارثة الأكبر مع تجار الدين الذين صنعوا الإرهاب وكادوا يبيعون الوطن. في مسيرة نور الشريف وجيله من كبار المبدعين، ستجد التعبير الفني عن كل ذلك. نور الذي بدأ حياته الفنية من الشاشة الصغيرة في أجواء ما بعد يونيو مع المخرج الكبير محمد فاضل والمسلسل الشهير «القاهرة والناس» ظل بعد ذلك وعلي مدي ما يقرب من نصف قرن من الإبداع واعياً بدور الفن ورسالته، ومواكباً للتطورات التي يشهدها المجتمع، ومتعاملاً مع هموم الوطن والمواطن بمشاعر ابن السيدة زينب، وبعقل الفنان المثقف الباحث دوماً عن الأجمل والأنفع في السينما وفي الحياة. قبل سنوات طويلة صاحبت نور في رحلة لعدة أيام إلي الجزائر الشقيقة، كنا ضمن وفد ضم كل الأطياف الوطنية في السياسة والثقافة والفن، ذهبنا لمتابعة مؤتمر لمنظمة التحرير ولقاء أبوعمار. كان لدينا وقت طويل نمضيه معاً أثناء انشغال أعضاء المؤتمر الفلسطينيين في اجتماعاتهم المغلقة. مازلت أتذكر حين نزلنا إلي حي القصبة مهد الثورة الجزائرية يقودنا أستاذنا الراحل محمد عودة، الخبير بدروب العاصمة الجزائرية. كان نور يمارس هوايته في التصوير الفوتوغرافي إلي أن اكتشفوا وجوده، فإذا بنا وسط مظاهرة من الأشقاء ترحب بنا وتحتفي بالنجم الكبير. كان هذا الجيل من المبدعين والمثقفين قد استطاع أن يحافظ علي مكانة مصر الفنية والأدبية في العالم العربي، رغم كل الظروف السياسية المعاكسة. لم يكن نور في الجزائر استثناء، بل كان هذا هو الحال مع نجومنا الكبار في كل العواصم العربية، حتي في غياب السياسة وتزايد الخلافات بين الحكومات. مع رحيل فنان عظيم مثل نور الشريف، بكل موهبته وعطائه وثقافته واعتزازه بالوطن واهتمامه بقضايا الأمة.. يحق لنا أن نتساءل: هل تدرك الدولة هذا الدور المهم للثقافة والفن؟. وماذا تفعل لدعم السينما وإحياء المسرح واستعادة عرش الغناء؟!. أرجو ألا تكون الإجابة هي ما يمثل الغياب الرسمي في الوداع الأخير لفنان عظيم بقامة نور الشريف.. رحمه الله بقدر ما أعطي من فن جميل أسعد أجيالاً وسيظل يمنح السعادة والمتعة الفنية لأجيال قادمة أطال الله في عمر نجومنا الكبار وأنار الطريق أمام الجميع ليدركوا أن أمثال نور، هم ثروة للوطن وقيمة لا تُعوَّض. رحم الله نجمنا الكبير الراحل، ولنا جميعاً كل العزاء.