القرآن الكريم كلام الله ، المنزل علي عبده محمد ( صلي الله عليه وسلم ) المتعبد بتلاوته ، المتحدي بأقصر سورة منه ، من قال به صدق، ومن حكم به عدل ، لا يشبع منه العلماء ، ولا تنقضي عجائبه ، ولا يخلق عن كثرة الرد ، لم تلبث الجن إذ سمعته أن قالوا : « إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً ، يَهْدِي إِلَي الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً» ( الجن : 2 ) ، وقالوا : « يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَي مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَي الْحَقِّ وَإِلَي طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ ، يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ « (الأحقاف : 31 ). وما أن سمع أحد الأعراب قوله تعالي : « وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَي الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ « (هود : 44) ، حتي انطلق قائلاً : هذا كلام رب العالمين لا يشبه كلام المخلوقين، وإلا فمن ذا الذي يأمر الأرض أن تبلع ماءها فتبلع ؟!، ويأمر السماء أن تمسك ماءها فتقلع ؟!، ويأمر الماء أن يغيض فيطيع ويسمع ؟!، إنّه رب العالمين ولا إله سواه. وهو أحسن الكلام وأجمله ، وأصدق الحديث وأبلغه ، وأحسن القصص وأعذبه ، يقول الحق سبحانه : « نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ « (يوسف : 3) ، ويقول سبحانه : « اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَي ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَي اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ « (الزمر : 23). وهو عِزُّ هذه الأمة وشرفها ، يقول الحق سبحانه : « لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ « ( الأنبياء : 10) ، ويقول سبحانه وتعالي : « وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ « ( الزخرف : 44 ) ، وهذه الأمانة وتلك المسئولية تحتم علينا خدمة كتاب الله عز وجل ، والعناية به وبأهله ، حفظًا ، وتجويدًا ، وتلاوة ، وترتيلاً ، وفهمًا ، وتطبيقًا ، سواء في جانب المداومة علي التلاوة والتحذير من هجره أو نسيانه ، حيث يقول الحق سبحانه وتعالي : « وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً « ( الفرقان : 30 ) ، ويقول نبينا ( صلي الله عليه وسلم ) « تَعَاهَدُوا الْقُرْآنَ، فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الإِبِلِ في عُقُلِهَا « ، أم في جانب المداومة علي الحفظ والتذكر والحث عليه ، يقول نبينا محمد ( صلي الله عليه وسلم ) : « مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ « ، ويقول ( صلي الله عليه وسلم ) : « يقال لقارئ القرآن اقرأ ورتل وارتق فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها «. علي أن الهجر لا يقف عند حدود هجر التلاوة أو نسيان الحفظ ، إنما الهجر الأكبر هو أن نحفظ القرآن ولا نعمل به ، أو أن يكون حفظنا في جانب وسلوكنا في جانب آخر. ولنا في رسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) أسوة حسنة ، فقد كان ( صلي الله عليه وسلم ) قرآناً يمشي علي الأرض ، كما وصفته السيدة عائشة ( رضي الله عنها ) ، أي أن سلوكه كان ترجمة عملية وتطبيقية لآي القرآن الكريم وأحكامه ، وتصف ( رضي الله عنها) خلقه ، فتقول : « كان خلقه القرآن « ، وهذا سيدنا سالم مولي أبي حذيفة ( رضي الله عنه) أحد القراء الأربعة الذين قال النبي ( صلي الله عليه وسلم ) في حقهم : «خذوا القرآن من أربعة « ، كان ( رضي الله عنه ) يقول : « يا أهل القرآن زينوا القرآن بأعمالكم». وقد بين نبينا ( صلي الله عليه وسلم ) أن القرآن الكريم قد يكون حجة لنا أو علينا، فقال ( صلي الله عليه وسلم ) : « الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ الْمِيزَانَ. وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلآنِ - أَوْ تَمْلأُ - مَا بَيْنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ، وَالصَّلاَةُ نُورٌ وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ ، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا « (صحيح مسلم ) ، وفي الأثر « رُب حامل للقرآن والقرآن يلعنه « ، ذلك فيمن يحفظ القرآن ولا يعمل به ، بل يعمل بخلاف أحكامه وتعاليمه ، وقد ضرب لنا القرآن الكريم مثلاً واضحًا فيمن يحملون كلام الله ثم لا يعملون به ، فقال سبحانه : « مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً « ( الجمعة : 5 ) ، فلنحذر من الهجر سواء أكان هجر قراءة وتلاوة ، أم هجر تدبر وتأمل ، أم هجر عمل وامتثال. علي أن الأهم هو الفهم الصحيح لكتاب الله عز وجل ، وإخلاص النية فيه لله عز وجل ، لا المتاجرة به ، ولا العمل علي تحريف كلمه ، واتخاذه مطية للحصول علي مكاسب دنيوية ، كهؤلاء المجرمين الذين يقتلون ويدمرون ، ويفسدون ويخرّبون ، من منطلق تأويل خاطئ أو تحريف واضح لبعض نصوص القرآن ، والقرآن والإسلام والإنسانية منهم براء. لذا نوصي أن تتضمن جميع المسابقات المحلية والدولية فهم أحد الجوانب الإيمانية، أو الأخلاقية، أو الإنسانية، أو المقاصد الكلية، وهو ما نفذناه في المسابقة العالمية الثانية والعشرين للقرآن الكريم بوزارة الأوقاف المصرية، وهو ما حظي باهتمام وإعجاب وإشادة سائر الضيوف والمشاركين من دول العالم وعلي رأسهم الشيخ الدكتور عبد الله بن علي بصفر الأمين العام للهيئة العالمية لتحفيظ القرآن الكريم، ومعالي المستشار إبراهيم محمد بو ملحة مستشار صاحب السمو نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي رئيس جائزة دبي الدولية لحفظ القرآن الكريم، وسعادة المهندس سامي عبد الله قرقاش عضو اللجنة المنظمة لجائزة دبي رئيس وحدة العلاقات العامة، وفضيلة الشيخ علي محمد الزين مبروك مدير جائزة الخرطوم الدولية بالسودان، والسيد أحمد هاشم أحمد هاشم مدير الوحدة الفنية لجائزة الخرطوم الدولية.