يشهد المسرح السياسي الايطالي حالة من القلق والتوتر تهدد باندلاع ازمة سياسية بعد تصاعد حدة الصداع بين زعيمي حزب الاغلبية سيلفو بيرلوسكوني رئيس الحكومة الايطالية وجان فرانكو فيني رئيس مجلس النواب الذي قرر الانفصال عن بيرلوسكوني وتأسيس كتلة سياسية بزعامته. وامام تصاعد حدة الصدام السياسي هدد بيرلوسكوني باللجوء إلي المطالبة باجراء انتخابات مبكرة في حالة تدهور الموقف وتعرض حكومته للعراقيل والابتزاز السياسي ورفض فكرة تكليف حكومة انتقالية لتيسير دفة الحكم لفترة محددة إلا ان مخاوفه من اصوات البعض المتارجحة بين التاييد لسياسته والمعارضة له داخل مجلسي النواب بدأت تتصاعد يوما بعد يوم الامر الذي دفع بعض المراقبين لتوقع نهاية سريعة لحقبة بيرلوسكوني السياسية. ومن جانب اخر اكد اومبرتو بوسي زعيم رابطة الشمال احد احزاب التحالف تضامنه مع بيرلوسكوني، ومعارضته لأي محاولة يقوم بها رئيس الجمهورية نابوليتانو اذا فكر في تكليف محافظ البنك المركزي دراجي دراجي أو تريمونتي وزير المالية بالقيام بدورة من المشاورات لتشكيل حكومة مؤقتة غير سياسية. إلا أن رئيس الجمهورية يري ضرورة »الحفاظ علي استمرارية المؤسسات«، موجها اشارة تحذير الي بيرلوسكوني بعدم الوقوف امام حركة المسرح السياسي واستمرارية سير ادارة الدولة. ولاشك ان الاغلبية داخل البرلمان التي كانت يستند اليه بيرلوسكوني وصولا بحكومته حتي نهاية الدورة التشريعية في عام 3102 اصبحت في خطر بعد انشقاق جان فرانكو فيني وحلفائه عن حزب الحرية الذي يتزعمه بيرلوسكوني. ففي مجلس النواب خسر بيرلوسكوني 43 نائبا، خرجوا من تحالفه وامضوا الي كتلة فيني وانشق اكثر من 01 اعضاء في مجلس الشيوخ عن بيرلوسكوني وانضموا لكتلة فيني، وهي ارقام لها وزن سياسي كبير ويمكن ان تجبر الحكومة علي خوض معاناة كبيرة حول اي اجراء. وخروج انصار فيني، بالفعل، في البرلمان، من حزب الاغلبية سيخفض الي حد كبير من هامش الحكومة التي قد تري نفسها مضطرة للبحث، شيئا فشيئا، عن اصوات الليبراليين الديمقراطيين، والجمهوريين الاقليميين، والاقليات اللغوية وحزب حركة الاستقلال وبهذه الارقام يتوقع ان تشهد حكومة سيلفو بيرلوسكوني اوقاتا عصيبة تعجل بسقوطها. ويري المراقبون ان الاستعدادات قد بدأت، في الواقع، وراء الكواليس، للعودة الي صناديق الاقتراع في حين ان بيرلوسكوني يري انه لن يقف مكتوف الايدي امام ما يجري علي المسرح السياسي اذا حاول البعض وضع العراقيل في طريقه فانه سيتمسك بالعودة الي الشارع السياسي لاجراء انتخابات مبكرة »ليس في الربيع القادم، كما بدا في الايام الماضية، ولكن قبل ذلك بكثير: بين اكتوبر ونوفمبر«. والحقيقة هي ان بيرلوسكوني فوجيء بتواجد كبير لفيني بين عدد لايمكن اهماله من اعضاء البرلمان خاصة وانه لم يكن يتوقع ان طلاقه مع فيني يمكن ان يكون شوكة في ظهر حكومته تهدد استمرارها واستقرارها في الحكم ولهذا فقد اصبحت رياح الانتخابات تهب بقوة الآن علي قصر جراتسيولي (مقر برلسكوني في روما). والمشكلة الآن هي العثور علي طريق يمكن السير فيه ومواجهة عواصف التكتلات السياسية الجديدة التي انبثقت عن انشقاق فيني وتياره علي حزب بيرلوسكوني. والمطالبة بالحل المبكر لمجلسي النواب والشوري سيترتب عليها من حيث المبدأ ان يقوم رئيس الجمهورية بالتحقق مما اذاكانت توجد اغلبية مؤيدة لاستمرار الحكومة.. اذا كانت هذه الاغلبية موجودة فإن عليه ان يختار رئيس الوزراء. ولكن رئيس الدولة يمكنه ايضا تشكيل حكومة مؤسسية تحظي بثقة البرلمان، إذا رأي ان النهاية المبكرة للحكومة ستعرض البلاد لمخاطر جسيمة. وهناك ثلاثة سيناريوهات مختلفة يمكن ان يشهدها المسرح السياسي الإيطالي خلال الفترة المقبلة. 1- ان يحاول بيرلوسكوني السير بحكومته لقيادة الحكم باغلبية متارجحة بخطوات بطيئة امام عواصف المعارضة، دون ان يكون لها وجهة محددة ولا قوة لتنفيذ سياسة قادرة علي مواجهة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها إيطاليا. 2- ألا يجد بيرلوسكوني امامه الا المغامرة بالانتخابات المبكرة واذا نجح في مسعاه فإن الخطر يكمن في مدي قوي المعارضة والتكتلات السياسية الاخري لتغيير الموازين السياسية وسحب البساط من تحت بيرلوسكوني والقضاء علي مشواره السياسي باسرع وقت. 3- اما اذا حاول بيرلوسكوني تجنب مخاطر مغامرة الانتخابات المبكرة فلن يكون امامه سوي اعطاء الضوء الاخضر لرئيس الجمهورية نابوليتانو لتكليف شخصية من التكنوقراط لتشكيل حكومة طواريء لفترة محددة لتسير دفة الحكم. وبعد القطيعة النهائية التي اكدها فيني رسميا، اصبح من المؤكد تقريبا ان حكومة برلسكوني الثالثة التي ولدت منذ عامين بأكبر اغلبية ساحقة في تاريخ الجمهورية الايطالية، لن تصل حتي لاختتام فترتها الاولي. وقد مات ايضا وم حزب اليمين الجديد، الحديث والاوروبي، الذي ليست لديه ولن تكون له امكانية الوجود، تحت رايات برلوسكوني بعد ان كتب فيني شهادة الوفاة النهائية لذلك الحزب الذي اسهم في بنائه.