تتحدث الدولة عن زيادة تعريفة مياه الشرب علي المواطنين، وتترك أصحاب الفيلات والقصور وهم يبنون حمامات السباحة بل البحيرات الصناعية في القري السياحية بل في بعض المدن السكنية، وذلك بحجة أن هذه المياه جوفية، ولا يدفعون رسوما عليها تعاني مصر ومنذ سنوات طوال مشاكل الندرة المائية، ولكننا لا نشعر بها كمواطنين نتيجة للادارة الناجحة نسبيا لوزارة الموارد المائية والري في توفير المياه للقطاعات المختلفة من الدولة. والواقع المصري يظهر وبوضوح أنه ليس هناك ادراك حقيقي سواء من المواطنين أو من القيادة السياسية لما تعانيه مصر من قضايا مائية متفاقمة قد يصعب التعامل معها في المستقبل القريب. والندرة المائية في مصر تتمثل في انخفاض نصيب الفرد من المياه إلي حوالي 600 متر مكعب في السنة، وهي أقل كثيرا من الحد الأدني للفقر المائي والذي حدده البنك الدولي. والحد الأدني للفقر المائي، هي أقل كمية مياه للفرد لتغطية احتياجاته الانسانية الأساسية من شرب وغذاء ونظافة وعلاج ومنتجات صناعية. ومظاهر الندرة المائية في مصر لها مؤشراتها الصارخة ولكن لا يتم توعية المواطنين بها، منها نقص مياه الري في معظم نهايات الترع المصرية، ونقص في مياه الشرب في عديد من القري وبعض المدن وخاصة المنتشرة في نهايات الشبكة المائية علي الشريط الساحلي للبحر المتوسط، والفجوة الغذائية التي تزيد عن 7 مليارات دولار سنويا وهي قيمة الفرق بين مانستهلكه وما ننتجه من غذاء. ومن هذه المؤشرات أيضا عدم توفر مياه ري لمشاريع زراعية عملاقة أنفقت عليها الدولة المليارات من دم الغلابة، وبدون عائد حتي الآن، مثل مشروع ترعة الحمام وامتداد ترعة الحمام، ووادي النقرة، ومشروع ترعة السلام ومشروع توشكي. ومن ضمن مظاهر الندرة المائية انتشار تلوث المياه في المجاري المائية نتيجة لكثرة تدوير المياه الشحيحة، وعدم معالجة نسبة كبيرة من مياه الصرف الصحي والصناعي، بالإضافة إلي السلوكيات السيئة من بعض المواطنين وإلقاء المخلفات في المجاري المائية. وبالرغم مماتعانيه مصر من ندرة وشح مائي قاس، نري هناك مظاهر اسراف مائي يصل إلي حد التطرف في استخدامات المياه بل استفزاز غالبية الشعب المصري الذي يعاني من مشاكل شح المياه. فنجد مثلا زيادة هائلة وبالمخالفة للقانون في مساحات زراعات الأرز بدلا من المساحة المقررة وهي 1.25 مليون فدان والتي نحتاج لزراعتها علي سواحل الدلتا لمقاومة تداخل مياه البحر في الخزان الجوفي. فقد تضاعفت المساحة ونسعي إلي تصدير الأرز لمكاسب مالية ضيقة، ثم نتحدث عن الشروع في بناء وحدات لتحلية المياه بمليارات من دم الغلابة من المصريين. بل وصل الأمر إلي زراعة الأرز في الوادي الجديد في الأرض الصحراوية، ياللعجب هذا المحصول الذي يزرع أصلا في البرك المائية نزرعه في الصحاري المصرية، أين الدولة وأين الضمير الانساني، وما هو المقابل لاهدار أغلي مانملك من ثروات، وخاصة أن المياه الجوفية في هذه المناطق غير متجددة وستنضب مع سوء الاستخدام. ونري في الصعيد زراعة قصب السكر الشره للمياه والتي تحتاج إلي اعادة نظر شاملة نحو هذا المحصول، وادخال محاصيل بديلة أكثر جدوي للفلاح وأقل استهلاكا للمياه، مع التوسع في زراعة بنجر السكر ومصانع السكر في الأراضي المستصلحة. وهناك مئات الألاف من الأراضي المستصلحة المخالفة (وضع يد) وتسرق المياه من الأراضي الزراعية المرخصة، وبدون رادع أو عقاب. وهناك ألاف الأفدنة من المزارع السمكية المخالفة تستهلك كميات هائلة من المياه وتسبب شح المياه في نهايات الترع، وليس هناك من رادع أو محاسب. وتتحدث الدولة عن زيادة تعريفة مياه الشرب علي المواطنين، وتترك أصحاب الفيلات والقصور وهم يبنون حمامات السباحة بل البحيرات الصناعية في القري السياحية بل في بعض المدن السكنية، وذلك بحجة أن هذه المياه جوفية، ولا يدفعون رسوما عليها. هل هذه المياه الجوفية أصبحت مشاع وملك من يملك المال والقوة لحفر الأبار وبدون حتي تراخيص من الدولة. وهناك أيضا ملاعب الجولف التي تستهلك كميات هائلة من المياه لرياضة لا يعرف شكلها أو نظامها السواد الأعظم من المصريين.وهناك المظاهر السلبية لعامة الشعب من رش الشوارع بالمياه وغسيل العربات بالخرطوم والحدائق الخاصة وغيرها من مظاهر الاسراف المائي في دولة تقاسي من مظاهر الشح المائي وتنفق المليارات المهدرة في معالجة هذه المياه. ومن الواضح أن مجتمعنا يعاني من نقص شديد في الوعي القومي نحو المياه والحفاظ عليها، ويعاني من مظاهر متفاقمة للانفصام المائي المجتمعي.من المصريين من يعيش في فيلات وقصور وحدائق غناء وحمامات سباحة وبحيرات صناعية، ويذهب إلي ملاعب الجولف، ومنا من يفتقد حتي إلي مياه الشرب النظيفة الصحية. ولا مانع في أن يتمتع الغني ولكنه عليه أن يدفع ثمن هذه المتعة للدولة لاستخدامها في مشاريع تخدم الفقراء. إن المنظومة الادارية والتشريعية للدولة لا تحقق العدالة الاجتماعية في أهم مقومات حياتنا وهي المياه، ويجب الاسراع في تقويمها أولا للحفاظ علي مياهنا أهم الثروات القومية، وثانيا لاقرار مبادئ العدالة الاجتماعية والتي نتغني بها ليل نهار ولكن فقط في السياسة والانتخابات.