عقب الاستفتاء الفاشل الذي جري في أسكتلندا للإنفصال عن المملكة المتحدة ثارت المخاوف داخل القارة الأوروبية بإقدام المزيد من الأقاليم علي المطالبة بالإستقلال وكانت أسبانيا من أولي هذه الدول التي تحارب بكل الطرق إنفصال إقليم كتالونيا عنها حتي بعد إجرائه لإستفتاء رمزي وافق فيه 80% من الناخبين علي فكرة إنفصال الإقليم الشهر الماضي. وقد تبدو آخر فصول القضية ونحن علي مشارف عام جديد أكثر إثارة حيث يواجه رئيس كتالونيا ارتور ماس دعوي قضائية مرفوعة ضده من الحكومة الأسبانية بعد تنظيمه للاستفتاء الرمزي علي انفصال الاقليم والمتهم فيها بخرق الدستور والقانون بعد تصميمه علي إجراء الإستفتاء رغم قرار المحكمة العليا الصادر بمنعه. كما تواجه نائبته جوانا اورتيجا ووزيرة التعليم ارين راجاو تهم العصيان والاساءة للعدالة وسوء استخدام الأموال العامة بعد تنظيم الاستفتاء. وهي القضايا التي ستزيد من حالة الغضب داخل الأقليم حيث يتمتع ارتور بشعبية جارفة كما يؤمن سكان الإقليم بقضية الإنفصال عن أسبانيا ويسعون لتحقيق ذلك منذ سنوات. وليست هذه بالقضية السياسية التي ستفصل فيها الاستفتاءات فقضية انفصال الإقليم لها بعد تاريخي قديم حيث بدأت المطالبة بالإنفصال منذ خروج العرب من إسبانيا قبل قرون بعد أن قامت ملكة إقليم آراغون آنذاك بالإتفاق مع حاكم مدريد وقرروا الإطاحة بالحكم العربي وبعدها ظهرت الدويلات الإسبانية وهي: (الباسك ) والتي تمتد علي الحدود الإسبانية الفرنسية و(كتالونيا) والتي لها بعض القبائل داخل فرنسا وإقليم (أراغون ) وإقليم (الأندلس). وقررت الحكومة المركزية الأسبانية الحديثه إعطاء كل منهم حكما ذاتيا وبرلمانا مستقلا وذلك بعد أن إنتهي حكم الطاغية الديكتاتور فرانكو الذي حكم إسبانيا بالحديد والنار. وظلت الحكومة الإسبانية تقدم الدعم لهذه الاقاليم وتقيم مشروعات كبري ولكن مع تفاقم الأزمة الاقتصادية في إسبانيا وتطبيق برامج التقشف تزايدت معدلات البطالة بصورة غير مسبوقة وتأثر اقتصاد الإقليم بصورة كبيرة وزادت مديونيته. واتهمت كتالونيا الحكومة المركزية في مدريد بأنها مسؤولة عن أزمتها وزادت الأوضاع سوءا بعدما رفض رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي طلب أرتور ماس توقيع اتفاق ضريبي جديد يضمن للإقليم حق التصرف بعائدات الضرائب لمواجهة أزمة ديونه كما هو الحال في إقليم الباسك.ونتيجة لذلك تفاقمت الأزمة الاقتصادية وزادت حالة الاستياء في كتالونيا ضد سيطرة الحكومة المركزية وزادت معها الرغبة في الاستقلال. وقد عززت الطبيعة الخاصة لسكان كتالونيا وتمايزهم الثقافي واللغوي عن باقي أسبانيا فكرة الحاجة إلي مؤسسات خاصة مستقلة للحفاظ علي ملامح هويتهم التاريخية والثقافية فضلا عن شعورهم بخيبة الأمل من الحكومات الاسبانية المتعاقبة.ورغم أن دعوة الانفصال ليست أمرا جديدا في كتال اني والكتالوني علي حد سواء وقد تنهار الدولتان بسرعة في ظل حالة عدم الاستقرار الذي يعاني منه الاقتصاد العالمي منذ سنوات. يذكر أن إقليم كتالونيا كان يتمتع بالحكم الذاتي في الفترة من 1932 حتي 1939 ثم عاد لسيطرة الحكومة المركزية خلال فترة حكم الجنرال فرانكو التي شهدت إعدام الآلاف من أبناء كتالونيا ومنهم رموز وقادة سياسيون كانوا يدافعون عن استقلال الإقليم. وبعد وفاة الجنرال فرانكو في سبعينات القرن الماضي, استعاد إقليم كتالونيا حكمه الذاتي وشهد بعد ذلك عدة محطات تاريخية هامة ساهمت في تعميق الهوة بينه وبين الحكومة المركزية, من بينها تصويت مواطني كتالونيا علي إقرار نظام أساسي وخاص بالإقليم سنة 1979, تلاها تصديق البرلمان المحلي علي نظام يقر سيادة الإقليم وهو ما خلق مزيدا من التوتر والصراع بينه وبين الحكومة المركزية في مدريد. ويبقي السؤال الآن بعد ان دخلت المعركة من اجل الاستقلال مرحلة جديدة مع بدء محاكمة رموز الدولة الكتالونية هل سيدافع الكتالونيون عن مطلبهم ويشكلون ضغطا علي اسبانيا كي ترضخ لهم في النهاية أم سيؤجل حلم الإستقلال لعام آخر؟